كم أتمنى أن يعقد مهرجان للحب في عاصمة من عواصم العرب، يحييه مثقفون ومفكرون وفنانون، ويمارس فيه هؤلاء حقهم في الدعوة إلى التلاحم الوجداني بين أمم الإنسانية جمعاء، تفتح فيه صفحة جديدة على وجه التاريخ، يقول فيه العفويون والأبرياء ما لم يستطع قوله المنظرون والمهرطقون والمتخرصون والمشعوذون والمهاترون الذين في قلوبهم مرض، والذين حولوا العالم إلى فوهة موقد ناري عملاق، أكل النفوس قبل أن يحرق الرؤوس، وأطاح أجمل ما وهبه لنا الله في خيرات الطبيعة وأبهاها. لا شك أن مثل هذه الأمنيات ضرب من الخيال أو حتى الجنون في زمن تناطحت فيه الثيران، وتآكلت فيه قشرة الأرض بفعل الشطط واللغط. لكن ما يجعلنا نتمنى، عيون الأطفال الصافية وابتساماتهم الرقيقة وتحليقاتهم العفوية التي تنبئ عن فطرة أكيدة وراسخة، وما تغير على البشرية هو هذا الطوفان الديني المتعنت الذي خرج عن نصه الإلهي واختار النفس الأمارة لكي تفشي أسرارها وتغشي العيون بقذا الانهيارات الذاتية. نتمنى أن يعقد هذا المهرجان وبقوة لكي نفشل المشاريع الجهنمية التي يروج لها حاقدون وناقمون وفاشلون وجاحدون ومهووسون بالدم والدمار والتمييز العنصري. هؤلاء أعداء الله والدين والبشرية، يجب أن يجابهوا بقوة. فمن يقتل مسيحياً أو يزيدياً أو سنياً أو شيعياً أو يهودياً من دون ذنب ارتكبه فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن يشرد إنساناً آمناً أو يرمل امرأة أو ييتم طفلاً، إنما يفعل ذلك لأنه أشاح بوجوم عن ضمير الإنسانية، واكتفى بامتطاء عربة خالية تجرجر خلفها ضياعه ومتاهاته. نتمنى أن تتحرك الإنسانية لأجل صياغة واقع نظيف نقي من شوائب الأمراض والأوبئة البيتية التي خلفت وراءها، نماذج بشرية خاوية فارغة من المشاعر الإنسانية الحقة. ديننا الحنيف أكد الحب وبنى عليه علاقات إنسانية راقية، واستطاع الإسلام أن يصل إلى العالم من دون سفك الدماء، لكن عندما انحرف به المنحرفون والمزيفون والمتزمتون انكفأ على أعقابه، وعاد المهرطقون مهزومين مكلومين يحملون معهم عار الهزيمة ولم يبق في صدورهم غير الحقد والأسى والبؤس والعذاب الأليم. . اليوم تحصد الإنسانية نتائج تلك القفزات العشوائية، ويعاني جيل كامل جراء هذه الانتكاسة العظيمة الأشد من قنبلتي هيروشيما وناجازاكي. . نحن بحاجة إلى هذا الوعي وإلى هذا المهرجان لعله يعيد للبشرية شيئاً من التوازن، ويخرجها من تنانير الصد والعذابات، فما يجري على أرض العرب شيء يجلب اليأس ويضع الفأس في الرأس، وإذا لم نسارع في انتزاعه من رؤوسنا، فإننا مهددون بأكثر من فأس، لأن الموبوئين بحمى الحقد يتكاثرون كما تتكاثر الجرذان، ومن ينظرون لهم يجدون الطرق السهلة واليسيرة في نشر موروثاتهم الجينية المسرطنة، ولن يوقف هذا الهدير وهذا الزئير وهذا الزفير المكربن، إلا وعي الناس واقتناعهم بأنه لا دواء للحقد إلا الحب، عبر التصالح مع النفس، وعقد صفقة يقينية بأن لا حل لكارثة الإرهاب إلا جمع الأحباب على مائدة التصافي والتعافي، وإخماد النيران بوجدان محب عاشق للحياة.