مع تزايد حالات الطلاق في مجتمع الإمارات وارتفاع المؤشر بشكل يدفع للقلق، كان من الحتمي أن تبرز على السطح إشكاليات عديدة كنتائج مصاحبة، ومع وجود أطفال فإن كارثة الطلاق تقع عليهم أولا، فأول ما يفتقده هؤلاء الأسرة بكل ما تشكله من ضمانات التربية السليمة، مشاعر الحنان والحماية، ونقل منظومة القيم الكبرى التي لا يمكننا الحديث عن إنسان سوي ومواطن صالح في ظل غيابها وعدم زرعها في عقل ووجدان الصغار عبر نظام التنشئة الأسرية، يأتي على رأس هذه القيم: الشعور بالولاء والانتماء للوطن والاستعداد للدفاع عنه باستمرار، والعمل على الارتقاء به في كل الأحوال والظروف. إن هذه المعاني الكبرى إضافة لسلم القيم المعروف في حياتنا كأمة وكجماعة والمتضمنة سلسلة طويلة من المثل والأخلاقيات والتوجهات والأفكار لا يمكن غرسها في الطفل وجعلها جزءا لا يتجزأ من تكوينه وشخصيته بعيدا عن الأسرة أو في ظل حياة ممزقة بين أبوين منفصلين وربما مرتبطين بشركاء مختلفين، فبيت الأب وبيت زوج الأم - في حياة اليوم - لا يمكنهما أن يشكلا بيئة طبيعية ومتناغمة لغرس القيم دون حدوث الكثير من العقد والأمراض النفسية والاختلالات التربوية، وحتى في حالة نجاح حالة أو حتى مائة حالة فإن ذلك لا يعتبر مبررا للدفاع عن الطلاق ولا يعتبر مقياسا على نجاح التربية خارج مؤسسة الأسرة! إن معظم الأطفال الذين يتربون خارج إطار الأسرة غالبا ما يفتقدون شيئا ما، وهم عادة ما يكونون عنيفين أكثر مما يجب أو انهزاميين أكثر مما ينبغي، خجولين أو شرسين، وعرضة للاعتداءات والتحرشات بسبب تعدد البيئات والشخوص الذين يتعاملون معهم طيلة اليوم في ظل ضعف رقابة الوالدين، فالوالد في عمله أو منشغل بحياته الجديدة أو غير عابئ بهم على اعتبارهم في رعاية الأم، مانحا عقله وضميره راحة تامة من التفكير فيهم، بينما الأم مضطرة لتركهم فترات طويلة في رعاية أسرتها أو خدم المنزل لضرورات العمل!! والنتيجة؟؟ إن الطفل الذي لا يتربى على قيمة الانتماء للأسرة والأخوة والوالدين، وعلى أن يحب بيته وممتلكاته الشخصية، وأن يعتاد على مبدأ المشاركة في السراء والضراء وعلى حس المسؤولية، سيجد صعوبات كثيرة في عملية الاندماج مع الجماعات المختلفة التي سيتعامل معها فيما بعد كالمدرسة والزملاء والأصدقاء والوطن وحتى حين سيبدأ في تكوين أسرته الخاصة لاحقا، ومع أن هناك حالات كثيرة نجح أصحابها في تخطي مشاكل طلاق الوالدين وعاشوا حياة تبدو طبيعية إلا أن كثيرين جدا لم يتمكنوا من ذلك دون خسائر حقيقية. لذلك نعتقد أن الطلاق ليس خيارا شخصيا أو عاديا يمكن أن ينظر له كل من المرأة أو الرجل بالسهولة التي يعتقدون، وبأن المسألة في النهاية تعود لتفاهمهما على إتمامه دون ضجيج، الطلاق خيار شخصي دقيق جدا وذو مردود ومسؤولية اجتماعية كبيرة يخصم من رصيد التنشئة الاجتماعية السليمة لعدد كبير من المواطنين الذين تجعلهم الظروف ضحايا الطلاق، لذا فهو خيار شخصي يجب أن يبقى مقننا بإطار التحريم كما نردد دوما “إن أبغض الحلال عند الله الطلاق”. وهو يعتمد أساسا وابتداء على طبيعة الزواج واختيار الزوجين ومدى تقديرهما وتقديسهما لرابطة الزواج ومعنى الأسرة. ayya-222@hotmail.com