يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي ما لا يحدث في الواقع ، بعد أن تحول تويتر للكثير من الناس إلى أكثر من مجرد صفحة تواصل مع الآخرين أو منبر إعلامي حر يقولون فيه آراءهم ويعبرون عن أنفسهم، لقد أصبح تويتر وفيسبوك منصات عملاقة توازي في أعداد المنتمين إليها سكان أكبر الإمبراطوريات، إضافة لنفوذها الفكري على الناس وثرواتها التي تقدر بالمليارات، نحن لسنا في مواجهة صفحات للتسلية ولا منابر للخطابة والثرثرة ولا محال لبيع البضائع المقلدة والألعاب الإلكترونية، نحن عندما نتحدث عن هذه المواقع فإننا في حقيقة الأمر نتحدث عن مرجعيات ذات نفوذ وتأثير وتغلغل في عقول وسلوكيات وتوجهات أجيال كاملة كل يجد فيها ضالته، حتى المتلصصون على طريقة الـ ( Bigbrother) بإمكانهم تتبع تفاصيل طرائدهم من خلال هذه المواقع. هناك قوانين باتت تحكم هذا الفضاء الشاسع الذي يتبارى فيه الناس حول العالم لاستغلال إمكانياته لصالح أهدافهم وقضاياهم، فهو في الوقت الذي يشكل للبعض غرف فارغة لدردشات سطحية، أو منصات لبيع بضائع منتهية الصلاحية لم تتمكن الجهات الرسمية بعد من إيجاد وسائل لمراقبتها، فإنه يعني لآخرين مواقع لعرض تجارب إنسانية ناجحة، أو لتبني قضايا إنسانية عادلة والدفاع عنها وجمع الأنصار والمؤيدين لها، أو لربط مجموعات من الأصدقاء والمهتمين بتوجهات وأعمال ذات قيمة كمجموعات القراءة والرواية والنحت والآثار والرياضة والتطوع مع الكبار أو المعاقين أو . لقد شكل الفضاء الإلكتروني الافتراضي لكثيرين في العالم العربي بداية إرهاصات ما سمي تجاوزاً بالربيع العربي فضاء كبيراً لممارسة حق التعبير وحرية النقد والدعوة للتجمهر والتظاهر وغيرها، وهنا فنحن نتحدث عن فضاءات حرة بالفعل وإن كانت افتراضية ومراقبة من قبل الأنظمة الحاكمة، لكنها على الأقل غير مقيدة ببيروقراطية الإدارات الحكومية، إضافة لاتساع انتشارها بين قطاعات الشباب تحديداً وسرعة تأثير محتوياتها ومضامينها عليهم، إنها فضاءات ذات نفوذ جماهيري لا محدود، حيث استطاعت هذه المواقع أن تؤسس لمجتمع أو مجتمعات جماهيرية عريضة في الوطن العربي الذي حرم من أي فرص تأسس ونشوء هذا المجتمع برغم المحاولات التي بذلتها نخبه الفكرية والسياسية والإصلاحية في سبيل تأسيس هذا المجتمع ولعقود من الزمن. لقد نجحت المواقع التواصلية في تأسيس هذه الجماهيرية وإن كانت افتراضية ومحاطة بالكثير من اللغط والالتباس فيما يخص الدقة والمصداقية والغوغائية وعدم الوضوح وغير ذلك، إلا أن وجود وفاعلية الاتصال الجماهيري الذي يتم من خلالها يعتبر سلوكاً صادماً في قوته وانتشار تأثيره وهو غير مسبوق حتماً في بلداننا العربية، ومعروف أن الصدمة غالباً ما لا تؤسس لسلوكيات عاقلة أو مدروسة، فصدمة التحرر في ممارسة التعبير واكتشاف الذات واختيار المرجعيات قد ولدت عند العرب ظواهر مخيفة أحياناً وداعية للشفقة أحياناً، وفي أحيان نادرة بشرت تلك الظواهر بتغيير حقيقي في بنية العقل العربي في تعاطيه مع موضوع الحرية. من هنا تكثر في هذه الأيام الكثير من المجالس والجلسات والكتابات والنقاشات بين أهل الرأي والمجتمع في الإمارات في محاولة لعقلنة هذا التعاطي والإفادة منه وتجنب تأثيراته، خاصة على أجيالنا من الشباب الصغار الذين تقع مسؤولية حمايتهم من تأثيرات هذه المواقع على مؤسسات الدولة التربوية والاجتماعية، كما تقع على الأسرة بطبيعة الحال. ayya-222@hotmail.com