هي قطرة واحدة ومن بعدها يبدأ الفيضان. فأي مظلة ستختار، وفي أي قارب ستبحث عن نجاتك وكل ما حولك سيولٌ تجرف الجبال والشجر. ماذا ستجني اذا مشيت مستقيما والطريق من أمامك تلتوي، والدروب دوائرٌ، والنهاية مسدودة بالهاوية. وهذا الحجر الذي رميته في الماء، هل تراه يحرّك الركود، أم يوقظ الوحش من الأعماق ويدعوه لالتهام ما تبقى من وردٍ قليل مهملٍ في الزاوية. قيل الحياةُ ميزان لا تتوازى كفتاه، وأنت عليك في كل يوم أن تقفز من غصن الى غصن لعلك تخسر هلاكك. فإذا ارتفعت في مصير العشق، رماك عُذّاله بحجر النميمة وخدشوا صفاء قلبك. وإن نزلت منحنيا في حنوٍ على المسكين، حاصرتك أطماع الناهبين وصرت صيداً لجيوبهم. اليوم الذي تتعلق فيه بغيمة الفرح وتراقص أقماره علناً مستأنساً بابتسامة الحياة، يتبعه يوم كله غمام دخان والناس بلا مأوى يئنون على مسمعٍ من رؤاك وأنت كسيح اليدين لا تقوى على دفع الضرر، ولا تزيح صخرة الأذى من دروب العابرين. قل الكلام كله، اصفع الصامتين بحشرجاتك المرّة باكياً قسوة الدهر يوما إليك ويوما عليك. وإذا رأيت النار تبتلع الأماني ويسري هشيمها في أحلام الصغار، فاعلم بأن تاريخك لم يكن زاهيا كما أوهموك، وأن صفحاته كتبت بالسيف والدم كي يعلو مقامك بين الأمم. وأن أيامك هذه، نسلٌ من فيض ما قيل آنذاك. ولذلك ترى الشياطين يخرجون من ضلوع الأوطان الآمنة، والقتلة يأتونها من كل مكان لإطفاء شعلة المستقبل. إنها مرارات الماضي ترفض أن تُبتر من ظلامها. ولكي تتطهر منها، عليك أن تحتار بأن تختار بين قيامتين كلتيهما من نار، وأن تمر على المتناحرين منسلاً بين الخناجر والسيوف وأن تخرج مخدوشا بألف جرح. وسيكون لزاماً عليك أن تنهض مرة ثم تسقط بسبب ضعفك، وبسبب الوهن الذي تجاهلته وأظهرت ما يعكس للناس بأنك أقوى من تناقضات ذاتك. هذه الحروب من حولك بقايا ثأر لمعاني كنت تظنها اندثرت، المعاني التي جمّلتَ زُخرفها بالبديع ومسحتَ بُهرجها بالطباق ونغّمتها بسجعٍ أحلى من الأجراس حين تدق في عيد بعيد. جيشٌ من المنتقمين يخرج من عراقة ماضيك ليقول لا للحياة إلا بسوادها. ونعم للموت، وليقتل كلانا نفسه بيديه. فأي حيلة لحلمك بالغد الجديد سوى أن تواجه ما كنت تخفيه عن نفسك، وأن تعترف بأن البسالة ليست في طمر الجمر ودفنه حياً، ولكنها في تصحيح الخطأ، وفي تصويب انحراف نظرتك القديمة للحياة. خذ الزمرد من تراثك وأصنع به تاج انتماءك للمستقبل، أما الحصى فعليك أن تفتت عناده بقبضة يدك، وأن تذروه نثراً في الريح كي لا يعاود الظهور من جديد. جاؤوك من العتمة وكنت تظن الخفافيش ماتت خرجوا إليك من الجحور وأنت تقول: الأفاعي استقامت وها هو الدرسُ يبدأ من جديد akhozam@yahoo.com