لو أردت أن تضع تصوراً لنصف نهائي مثالي لبطولة كأس العالم، ربما ما اخترت أفضل ولا أروع ولا أثقل من اختيار القدر.. أي نعم، هناك قوى كروية لها وزنها كإسبانيا والبرتغال وإنجلترا وفرنسا، ولكن طالما أنها لم تصل، فلا وزن لها اليوم، والكرة لا تمضي بالتاريخ ولا بالماضي ولكن بالحاضر.. الكرة لحظية ووقتية إلى أقصى درجة.. قد تمتن لمن أعطوها كثيراً، لكنها أبداً ليست وفية على الدوام. نصف النهائي اكتمل.. البرازيل ستواجه ألمانيا، وهولندا ستلتقي الأرجنتين.. ياله من رباعي «ولا في الأحلام»، لكل منه نكهته المميزة ولكل منتخب نقاط جودته التي تجعله خياراً مثالياً للفوز بالكأس إن أمكن. شككتنا المفاجآت مع انطلاقة البطولة في إمكانية أن يحدث ذلك، وتوقعنا أن نرى وجوهاً جديدة.. انتظرنا أن نجد أحداً ممن أوقفوا العالم على أطراف أصابعه في تلك المحطة مثل كوستاريكا مثلاً أو كولومبيا، ولكن يبدو أن النهايات محجوزة لأهلها.. النهايات لها أصحابها، حتى وإن تخلفوا عنها مرات، يبقون خياراً مناسباً لها. ألمانيا هي الوحيدة من الفرق الأربعة التي تتواجد في هذا الدور للمرة الرابعة على التوالي، ما يجعلها السيدة على هذه المنطقة اليوم، ومن حقها طالما أنها كذلك أن تتطلع إلى أبعد نقطة في البطولة، وقد باتت ألمانيا أول دولة تبلغ نصف النهائي في أربع نسخ متتالية. وباستثناء «المانشافت» فإن البقية يصلون إلى هذه المحطة بعد غياب طويل، فالبرازيل صاحبة الأرض والجمهور والسامبا، صعدت إلى الدور نصف النهائي بعد غياب 12 عاماً، فقد كان آخر ظهور لها بهذا الدور في مونديال 2002 بكوريا الجنوبية واليابان. وآخر مرة تأهلت فيها الأرجنتين إلى نصف نهائي المونديال، كانت عام 1990 أي منذ 24 عاماً بالتمام والكمال، وفي هذا المونديال، خسرت الأرجنتين النهائي أمام ألمانيا بركلة جزاء، وهي ذكريات تلقي بظلالها على أطراف المربع، حتى لو لم تكن الأرجنتين ستواجه ألمانيا في هذا الدور، لكنها حسبة قائمة وثأر منتظر ومن الممكن أن يحدث، فالأرجنتين اليوم ترى نفسها رغم الانتقادات «غير»، وقد شهد مونديال البرازيل تحقيق الأرجنتين خمسة انتصارات متتالية للمرة الأولى في نسخة واحدة من كأس العالم، وهو الأمر الذي لم تفعله عندما أحرزت اللقب في 1978و1986. بقي المنتخب الهولندي، والذي يصعد إلى نصف النهائي للمرة السادسة في تاريخه، لكنه يعود هو الآخر من غياب طويل، امتد منذ خروجه من الدور ذاته في مونديال 1998، أي منذ 14 عاماً، وهولندا بالذات يتعاطف معها الكثيرون، ورغم مما حققته في تاريخ المونديال ووصولها إلى المحطات الأخيرة، إلا أنها حتى الآن على خلاف بقية الكبار، لم تتذوق طعم الكأس. لم تكن المعطيات تشير إلى هذا البرهان، والكثيرون صنفوا مونديال البرازيل باعتباره بطولة المفاجآت، ورسموا أغرب السيناريوهات، لكن الكرة دائماً هي التي ترسم الطريق على مزاجها، وأعتقد أن مزاج الكرة في هذا المربع كان في أروع وأبهى حالاته، فالفرق الأربعة تستحق، وهي قادرة على أن تمنحنا أربع مباريات باقية استثنائية، سواء مباراتي نصف النهائي أو مباراة المركز الثالث ثم النهائي. الصدفة تبدو في تلك البطولة وكأنها منظمة ومرتبة، فالفرق الأربعة، مقسمة ما بين أوروبا وأميركا الجنوبية، بواقع فريقين لكل جانب، وقد ذهب اللقب العالمي عشر مرات إلى أوروبا مقابل تسع إلى أميركا الجنوبية.. ترى هل تخطط الأقدار للمساواة بين الكبار؟ كلمة أخيرة: نحن من يصنع الصدفة وعملنا هو الذي يلونها بألوان الفرحة أو الحزن mohamed.albade@admedia.ae