قبل الإفطار بساعة أو أكثر قليلاً، لا تستطيع أن تتحرك قيد أنملة، ولا يمكنك الخروج من بيتك، بسيارتك، فالزحام في الشوارع بلا وئام، والحركة بلا بركة، والسير في الطرقات كمن يدوس على ألغام قد تنفجر في أي لحظة، لأن الكل مستعجل والكل يسير بلا مهل، والكل يقود سيارته بسرعة، الأجنحة الطائرة، والكل يتحجج بأنه صائم وكأن السرعة الفائقة شعيرة من شعائر الصوم، ومن تتحدث معه فيما يخص السرعة، فقد يشتمك أو ينحرف نحوك، مهدداً، وفي أحسن الأحوال فإن بعضهم يريك عيناً حمراء، مبحلقة كأنها أضواء الإشارات الحمراء، فلا تملك إلا أن تكظم غيظك، وتتأدب ولا تنبس ببنت شفة، حفاظاً على كرامتك، ومنعاً لأي تهور قد يصدر من هذا أو ذاك.. مع الأسف الشديد، فإن للصوم قيماً وأخلاقاً، يفرضها على الصائمين ولكن لا أحد يلتزم، وأن لهذا الشهر الفضيل، ضوابط نفسية وخلقية ينبغي على كل مسلم أن يتحلى بها، ويتخذها سلوكاً ومنطقاً، ولكن لاشيء يحدث من هذا في شوارعنا، لأن النفس الأمارة طغت وتفشت، ونشرت أرواتها وارزائها في النفوس، حتى فاضت بالعفن وسوء التصرف وعدم احترام آداب الطريق.. منطق غريب وعجيب، ورهيب ومريب، يسيء إلى الأخلاق العامة، ويطيح بقيم الدين الذي أولى أهمية قصوى لاستعمال الطريق، والأخذ بأسباب الحب للناس جميعاً، ولا يجوز أبداً أن تكون العجلة سبيلاً لتحقيق أغراض آنية، وقد تكون تافهة ولا تستحق التضحية بالأرواح لأجلها. ولا تستحق إفساد الحياة العامة، بتصرفات عشوائية عدائية، قد تؤدي في لحظة ما إلى خسائر فادحة، تذهب فيها أرواح أناس أبرياء لا دخل لهم بما يفعله بعض المسعورين، واللامبالين والفوضويين الذين ينتهكون قيم الشارع، ويعصفون بطمأنينة الناس وأمنهم واستقرارهم.. فالإسلام دعا الناس إلى الإيثار، وعدم السعار، ودعاهم إلى التفاني من أجل توفير الأمان للآخرين، وشهر رمضان الكريم، شهر تتجلى فيه الأريحية والشفافية، وروح الهدوء والسكينة، ولكن كل هذا لا نجده أبداً عند البعض، بل إن المبالغة في اعتبار أن الصوم يزيد من التوتر وارتفاع ضغط الدم والسكر، متخذين من تلك المبالغة ذريعة سوطون الناس بها سوط عذاب واستلاب، واضطراب، ويتهورون ويخوضون معارك شرسة في الشوارع، وكأنهم في حرب ضروس، وقد يكون بعضهم ذاهب، من أجل التسكع فقط، ولا حاجة له أبداً لكل هذه الذرائع وقيادة المركبات، بسرعات تفوق سرعة الأصوات المرفوعة والمنادية بالهدوء، يا جماعة، فأديم الأرض من هذه الأجساد، والله دعانا بأن نسير على الأرض بالهون، وعدم الخضوع للأهواء والأنانية، وعدم الوقوع في أفخاخ السرعات التي لا تؤدي إلا إلى أخطار ومهالك، ومزالق لا نهاية لها إلا الموت المحقق.. بفضل هذا الشهر الكريم، ندعو الله أن ينير طريق من تاه الطريق وأن يبعثه مقاماً محموداً. Uae88999@gmail.com