محبتك لفريق أو أحد لاعبيه ليست سبباً كافياً، لتتمنى فوزه على الدوام، أو أن تتمنى له الانتصار في «السراء والضراء».. هناك الكرة التي من المفترض أن تشجعها وأن تحبها أولاً.. هناك المتعة، ومن الواجب أن تساند وتشجع من يعمل على متعتك. أمس الأول، كان الموعد مع مباراة الأرجنتين وسويسرا، وتوقع الجميع فوزاً سهلاً لـ «التانجو»، يمسح به كل عوراته في المونديال، لا سيما أن المنافس مؤهل لذلك، ونتائجه السابقة برغم تأهله، تضع الأرجنتين قبله بمراحل، ولكن الأمور سارت على نحو مختلف، وعلى الرغم من السيطرة النسبية للأرجنتينيين، إلا أنني شخصياً تعاطفت مع سويسرا، وتمنيت ألا يأتي هذا الهدف، وكنت أرى أن وصول المباراة إلى ضربات الترجيح، هو الخيار الأكثر عدالة. ما شاهدته من سويسرا أمام الأرجنتين، هو تجسيد للواقع الكروي الجديد.. هو تجسيد كذلك لما كتبته هنا مراراً وتكراراً بأن الكرة لا تعترف سوى بنفسها، وكل ما عداها قابل للانهيار.. تجسيد لنظرية أن بإمكان من يريد أن يفعل ما يريد، وحتى لو لم تنتصر سويسرا فكفاها ما قدمت، وكفتها السيطرة على فترات كثيرة من المباراة أحرجت خلالها «التانجو»، بل كان بإمكانها بعد الهدف الأرجنتيني أن تحقق التعادل وتعيد المباراة إلى مربعها الأول. الميزة الكبرى في الهدف الأرجنتيني أن من أحرزه هو أنخل دي ماريا، وقد كان أبرز اللاعبين في الفريقين.. كان شعلة نشاط لا تهدأ.. كان هنا وهناك، وطوال زمن المباراة بشوطيها الإضافيين، كان اسم دي ماريا الأبرز على شفاه المعلق، فكافأه القدر بهدف غالٍ، أهداه إليه الساحر ليونيل ميسي، الذي أبدع هو الآخر، لكنه لم يهن نفسه، كما فعل دي ماريا. الأرجنتين بهذا الأداء وهذا التفكك وتلك المعاناة في الأمام، لا يمكن أن تراهن عليها بقوة.. لم تصل الأرجنتين إلى تلك النقطة إلا بشق الأنفس.. طريقها كان دائماً صعباً ووعراً، وعلى الرغم من أنها تأهلت عن المجموعة السادسة بالنقاط الكاملة، إلا أنها عانت في كل المباريات.. عانت من البوسنة والهرسك ومن إيران ومن نيجيريا، وأخيراً من سويسرا، ولكنها صعدت إلى دور الثمانية، والمؤملون من صفوفها يرون في تلك المعاناة ميزة، لكني لا أراها كذلك، فالبطل له ملامح، وإن عانى مرة، لا يعاني كل المرات. في المقابل، تستحق سويسرا الإشادة، كما تستحقها أميركا، التي خرجت أمام بلجيكا، في ظروف تكاد تكون متشابهة في المباراتين، وأحسب أن بلجيكا سترهق الأرجنتين كثيراً إن لم يتحل رفاق ميسي بالمزيد من الشجاعة والفعالية والرغبة في تقديم الكرة المعتادة عنهم، لأننا شاهدنا «التانجو» في أوقات كثيرة بلا قلب، إلا قلب دي ماريا. بلجيكا اجتازت هي الأخرى محطات صعبة، ولا يمكن الاستهانة بها على الإطلاق، ومدربها مارك فيلموتس، من المدربين الذين يعلمون جيداً طبيعة كل مواجهة، وما تحتاجه، كما أنه يرى أن الأرجنتين هي التحدي الكبير، وهي بوابة المجد لفريقه في المونديال، ولن يغلق هذه البوابة بسهولة. أما المدرب الألماني أوتمار هيتسفيلد والذي قاد منتخب سويسرا، فمن حقه أن يفخر بنفسه وبلاعبيه وبأنه كان هناك .. في البرازيل.. لقد صنع منتخباً شجاعاً، والأهم أنه بات ملهماً للبسطاء بأن كل شيء ممكن. كلمة أخيرة: لو كان اقتسام الأحلام ممكناً.. ما أصبح على الأرض تعساء mohamed.albade@admedia.ae