كيف يمكن للمتابع أو الناقد وصف مسلسلات رمضان بشكل عميق ودقيق، وصفها بعيداً عن لغة التلفزيون والدراما، وصفها من حيث المعنى والمغزى والأثر والتأثير والمردود ؟ وصفها من حيث التفشي والسيطرة ؟ هل هي عنوان لافت ومغرٍ ، أم حكاية لها مداخلها ومغاليقها، أم عبارة عن لعبة بكل ما تحويه اللعبة من أسرار ومعادلات وإثارة ، أم هي تجارة فيها الرابح والخاسر وما بينهما ، أم أنها أولًا وأخيراً لا تعدو كونها صراع مافيات الإنتاج والتسويق والتوزيع ونجوم الصف الأول من الممثلين والممثلات والمخرجين والمخرجات ؟ في معظم رمضاناتنا السابقة كان العمل التاريخي الذي يرتوي من بئر التاريخ الإسلامي والعربي الجاهلي هو سيد الشاشة وحصانها الأسود الذي تراهن عليه، والذي غالباً ما يدور الجدل والانقسام حوله بين مؤيد ومعارض قبل أن يعرض بوقت طويل يكفي لصنع ما يكفي من الإثارة والترقب والدعاية لجر المشاهدين إليه والتعلق بأحداثه، كما حصل مع مسلسل الحسن والحسين، ويوسف الصديق وعمر وغيرها من الأعمال التي ما عادت تكتفي بتحويل الحدث التاريخي إلى مشاهد مصورة وناطقة بلغة السينما، وإنما تجرأ المخرجون وداسوا في أراضٍ ملغمة جداً اعتبرت على الدوام “ تابو “ أو محرماً دينياً لا يصح الاقتراب منه كتجسيد الأنبياء وصحابة رسول الله ، لكن تيار الانفتاح ضرب عرض الحائط بفتوى الأزهر الشريف، ما حول القضية إلى مجرد جدل فكري لا أكثر !! في هذا العام لا أثر للتاريخ والإسلام والشخصيات الفارقة التي غالباً ما اختلف حولها ، لا بلقيس ولا زنوبيا ولا عمر ولا الحسين ولا الحجاج ولا شجرة الدر... وكأن الرسالة المراد أن تصل للجماهير هي: يكفينا ما نعيشه من خلافات الوقائع وثارات السياسة وحروبها ، فالذين رفعوا شعارات الثارات في العراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا واليمن قد جعلوا من التاريخ ستاراً وامتطوا جرح الحسين ورفعوا مجدداً قميص عثمان ودرة عمر بن الخطاب وخنجر أبو لؤلؤة ، بهذه الأدوات وغيرها سفكت الدماء وأزهقت الأرواح وامتلأت الطرقات بالجثث والمدن بالخرائب والحرائق والمتفجرات والخيانات !! يكفينا مسلسلات خلافية تبدأ بصراعات فقهية وتنتهي بشتائم وتهم بالتكفير على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل ، فهذا لم يقدم للإفادة من التاريخ ولا أخذ العبرة والموعظة ولا التفكر والتأمل ، فهناك ملايين من البشر في الجغرافيا العربية ألغت خاصية التفكير من صفاتها وجعلت عقولها موجهة لخدمة مشاريع الخراب، معتبرة أن التاريخ مرجعيتها التي تتكئ عليها لتنال صكوك البراءة والموافقة والاعتماد ! وبدل التاريخ الخلافي والجدل الفكري الصارم ، انتعشت ذاكرة ألف ليلة وليلة من خلال بلاطات الملوك والسلاطين وقصص الجواري وصراعات نساء القصور ، فكان أسوأ بديل بحق ، فهذه النوعية مع مسلسلات الجاسوسية والجريمة وقصص العلاقات المحرمة وغير ذلك لا تناسب قداسة الشهر ولا حرمة الصيام بأي حال من الأحوال ، فمثلما لا يجوز لك دخول المسجد مرتدياً «شورت» قصيراً لا يصح عرض مسلسل كالذي تؤديه هيفاء وهبي أو سرايا عابدين أو مسلسل “لو “ اللبناني المنسوخ جملة وتفصيلا من الفيلم الأميركي “ الخائنة “ او unfaithful الذي قام ببطولته النجم الأميركي ريتشارد جير والنجمة الأميركية دايان لين عام 2002 ! ayya-222@hotmail.com