باعتباري ـ كما ملايين البشر غيري ـ من هواة الفن السابع، وارتياد دور العرض داخل الدولة أو خارجها، فقد استفزني ما قامت به بعض دور السينما عندنا من تعليق لوحة اعتذار للجمهور عن تشويه لحق بفيلم معروض، جراء حذف نحو 45 دقيقة من وقته الممتد لثلاث ساعات. وبلا شك فإنه وقت طويل، وكفيل بتشويه الفيلم من حيث تسلسل أحداثه الدرامية والبصرية. لا أريد أن أذكر اسم الفيلم، فليس هو موضوعي، وإنما التصرف الذي قامت به دور العرض، التي علقت اللوحة لترفع بها المسؤولية عن نفسها، وليصب الناس جام غضبهم على «رقابة الأفلام»، أو «إدارة المحتوى» بحسب تسميات المجلس الوطني للإعلام، وقد كان ذلك المقصود والهدف، قبل أن يتضح للمتابعين أن تلك الإدارة لم تكن لها يد من قريب أو بعيد في الأمر، وإنما هي فعلة الموزع الرئيسي للفيلم الذي أراد التحايل على تصنيفه، ليكون متاحاً للجميع، ويضمن دخول مشاهدين من مختلف الشرائح العمرية، وبالتالي يحقق أرباحاً على حساب قيم مجتمع بأسره.أو على الأقل الحد من خسائره المحتملة من العرض، فقد كان الفيلم يعج بالألفاظ البذيئة واللقطات المخلة، وغير المناسبة. وأحيي هنا حرص إدارة المحتوى في المجلس على توضيح ملابسات ما حصل، ولكن يجب ألا يمر موضوع «اعتذار التماسيح» مرور الكرام. فيجب أن تتحلى إدارات قاعات السينما بالشجاعة الأدبية بتوضيح الأمر منذ البداية، لا بعد بيع التذاكر للجمهور. وكان عليها ألا تعرض الفيلم أساسا، طالما أنه أصبح بتلك الصورة المشوهة للمشاهد، تصرفها ذلك كشف اهتمامها التجاري فقط، دون أدنى مراعاة لحقوق المشاهدين؛ والمجتمع بأسره. وأنها تريد التربح من وراء هكذا فيلم يزخر بالبذاءات، لمجرد أن بطله نجم مشهور. وكان تصرف دور العرض لا يحمل سوى الرغبة في إحراج المجلس الوطني للإعلام وتوجيه الأنظار إليه. مع أنه لم يكن ليتوانى ـ كعهدنا به ـ في التصدي لكل ما يمكن أن يحمل الإساءة للمجتمع وقيمه، ووجوده ملحوظ ومقدر أيضاً في متابعة التزام دور السينما بالتصنيفات التي يعتمدها للفئات العمرية التي يمكنها مشاهدة هذا الفيلم أو ذاك. وشاهدت ذلك الالتزام بإصرار العاملين على طلب هوية من يعتقدون أنه أقل من السن المحددة للمشاهدة من قبل المجلس. لقد تسبب ذلك التصرف من موزع الفيلم وبالاشتراك مع دور العرض في إظهار الساحة الثقافية والفنية الإماراتية بغير حقيقتها، وهي المعروفة باحتضان كل عمل إبداعي شريطة عدم تعرضه لقيم المجتمع وثوابته الوطنية والدينية. كما أنها الساحة التي تحتضن مهرجانين دوليين للسينما في كل من العاصمة أبوظبي، ومدينة دبي، بمشاركة نجوم عرب وعالميين. كما تستقطب عشرات المنتجين والمخرجين الذين يختارونها مواقع لتصوير أفلامهم العالمية. ناهيك عن مهرجانات المسرح والأيام الثقافية في الشارقة والفجيرة وغيرها من مناطق الدولة. ويعبر ذلك الحرص على تعزيز القيم من خصوصيات الهوية الإماراتية التي تعتز بأصالتها والانفتاح في الوقت ذاته على فنون العصر، وثقافات العالم وحضاراته الإنسانية. أتمنى أن تستوعب دور السينما الدرس الأخير، فهناك أشياء غير قابلة للمساومة، وليس كل شيء يخضع لقوانين السوق والربح والخسارة. ali.alamodi@admedia.ae