منذ العدائين في الصحاري والسهول والغابات، منذ الحمام الزاجل، وحتى أن حط على ورق الصحف وبث عبر أثير المذياع والتلفاز، كان الخبر ومازال الشغل الشاغل للبشر على الرغم من اهتماماتهم المختلفة، هو ما انتظرته الشعوب والجنود والقادة والقياصرة والملوك. الخبر هو الذي انتظره الإنسان ليعرف الإجابات الصغيرة والكبيرة، إذ يشكل الخبر في جانب من جوانبه إجابة عن سؤال أو تساؤل، وفي جانبه الآخر يشكل النبأ عن حدث ما كان مجهولا بالنسبة للمتلقين، وفي كلا الحالتين يخضع هذا الخبر للتحليل والتمحيص لتأكيد المصداقية والقياس للقدرة على استيعابه، وخاصة الخبر الإجابة الذي يأتي عادة ليغير مجرى التفكير، ليغير الاستغراب أو الاستنكار أو الاستهجان، حيث يغير الخبر سواء بخيره أو شره مجرى الأحداث في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلوم، وحتى الحب، هو من يجعل حربا تندلع، يشعل نارا ويطفئها، يثير الفتنة ويخلق الخصام ويحزن القلوب، وهو ذاته يهدئ النفوس وينير الدروب ويخلق المودة ويقطع خيط الشر، فالخبر حين يخرج بلا مسؤولية فإنه يخرّب، وحين يدار بصدق وشفافية فإنه يبني حتى في صراحته القاسية. واليوم مع هذا الطوفان من وسائل الإعلام أصبح الكل له قدرة على بث خبر، الحكيم منهم والسفيه، فتشوشت القدرة على التحقق من الصدق والكذب والنفاق والتدليس، حتى في مدرستنا الكبرى الصحافة، حيث تعلمنا كيف نميز الخبر ونعرف تداعياته ونفرز بين نزاهته وخبثه، تاه أيضا وأصبح تحت ارتهانات عديدة تحركه كما تشاء ليحقق أهدافها ويلائم توجهاتها، ليس فقط في عملية نقله بل حتى في تحليله وقراءته للقارئ أو المشاهد. ففي الغياب الكبير لمساحات الحرية في الصحافة خاصة العربية أصبح الخبر ورقة يلعب بها المخربون، يشوهون الحقائق وينمون الكراهية، سواء عبر فضائيات وصحف مرتهنة للمال، أو عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي. وهذه الأخيرة على الرغم من دورها المزعزع للكثير من الثوابت وقدرتها على كشف الكثير من القبح الذي كان مستترا بصور وأشكال مختلفة، تلعب هي أيضا دورا في إشاعة الفتن وتأجيج الكراهية والحقد لدى ضيقي الأفق وقصيري النظر. ففي ظل كل ذلك كيف لنا أن ننقذ الخبر من أزمته؟ وهل فعلا يمكننا عند خروجنا من الدائرة والتحديق فيها من الأعلى بعين البصير سنرى على وجه أوضح بعيد عن كل التأثيرات المسبقة؟