يعبر الخليج العربي سريعاً، بقاربه الصغير (طراد) بمحركات قوية تجعله كالطائر يحلق فوق الأمواج. من بندر عباس إلى نقطة صغيرة في المنطقة الرمادية بين الإمارات وعُمان هو الهدف الذي تراه العين. كل واحد ماسك بالسكة من طرف، يأتي محملا بالأغنام، فيما شخص آخر يمسك بالمقود. شاهد من هذا الطرف وذاك الطرف يراقبان، يتركانه يمر. هذا يحرس حدوده ولا يمكن أن يجتازها أحد، وذلك أيضاً مثله. على الساحل يبتسم المنتظر لهذا الموقف. ينزل القارب حمولته من الأغنام وكميات من اللفائف/‏‏ الأعشاب غذاء للمواشي، ينزل حمولته سريعاً لأفراد ينتظرون وصوله، ثم يشحن قاربه الصغير بمواد غذائية وكراتين السجائر وحاجيات صغيرة كثيرة، ثم يعود مسرعاً إلى عرض البحر ميمماً جهة الشمال، حافظاً مساره إلى بندر عباس، يردد أغنية شعبية من أغاني مطربي الخليج العربي ولكن بلهجة بندرية فارسية. ظل أعواما طويلة على ذلك المسار، لا يعترضه أحد، ولا يعرف سر هذا القارب أو القوارب الصغيرة التي تعبر الخليج العربي.. لم يفطن أحد لهذا العمل إلا في الزمن المتأخر، عندما ظهرت حقائق وأسرار أولئك الذين يدعون أنهم يصطادون للنزهة أو ممارسة صيد الأسماك في الخليج العربي وبانت مصائب ما يحملون ويخططون، بينما القابع في شمال الخليج ينظر لزرع الشر والخراب والدمار على أنه عمل مقدس. كان مثيراً ومخيفاً ما وصلت إليه يد الأمن في الدول الخليجية، وكيف أن تلك الزوارق الصغيرة تحمل أدوات التخريب والدمار والقتل، وكيف أن الشرير والمؤسس لروح القتل والتدمير والخراب استطاع أن يبني تلك المخازن الكبيرة والسراديب العميقة التي تحمل روح الانتقام والتفجير والدمار، وكيف أن المخطط الإجرامي لقوى الشر يشمل الخليج العربي كله، ولا أحد خارج عن مسار الخطر. إن حسن الظن والغفلة، تورث الخراب الذي يصل إليك حتى وإن كنت مسالما وتحب الخير للجميع. لم تعد النيات الطيبة والثقة العمياء نافعة.ما زلت أسأل نفسي: هل ما تزال تلك القوارب الصغيرة المنطلقة من بندر عباس إلى هدفها، أم أن الزمن تغير؟ وإذا كان ذلك المهرّب مازال يغني أغنيته البندرية بفرح فإننا ندعو الله بالسلام والأمان.