في صباح أول يومٍ من السنة الهجرية وعدت نفسي أن أقرأ كتابين أحداهما «آداب الملوك» لابن رزين الكاتب، والآخر «قوة العزيمة» للدكتور واين داير، وكان الهدف من هذا التمرين القاسي إحداث مقارنة تجمع بين مفاهيم عميقة في علم السياسة الإسلامي، وبين ما يجمعه الفكر الغربي من أمثلة يستلهم منها السمو والرقي بالذات والمجتمعات التي يتنفس هواءها بشرٌ اختلفت ألوان تفكيرهم وأنماطها. وقبل ذلك بقليل كنت قد فرغت للتو من قراءة «كليلة ودمنة» ما استذكرني بدور «المتسوق السري» في كشف الخفايا أحياناً وإن قلص البعض دوره ليقتصر على تحسين الأداء وتحديد نقاط الضعف ومواقع بحاجة إلى تطوير. الملك هو كل ذو سلطة وقوة يمارسها في ظرف زمانٍ أو مكان، وهما ظرفان لا يلتقيان مهما امتدا. يقول ابن رزين، «من أخلاق الملك أن يكون أقرب الناس منه كأبعدهم وأقواهم كأضعفهم في الحق». وأقول نعم هو الأمر كذلك بل وأكثر في دار زايد، فها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد (حفظه الله) يعزي ويحتضن قلوباً وأجساداً، فيحيك نسيج المجتمع الذي يفديه والوطن بالروح والولد، بينما لا يلقي السلام ولا يرده مديرٌ على موظف. وأتساءل: من قدوة هؤلاء الذين يبتلش بهم المبتلشون؟ أما الدكتور واين فيرد على هذه الأخلاقيات المغايرة قائلاً: إن النبل أن تكون أفضل مما كنت عليه... وفي جوانبٍ أخرى من أخلاق الملك يقول ابن رزين إنها تكمن في «البحث عن أسرار خاصته... وليفحص أمور رعيته ويخبر نياتهم... فمن أخلاقه البحث عن كل خفي ودفين حتى يعرفه معرفة نفسه لنفسه». ويقول ابن رزين على الملك «أن يكون كالقمر إذا استهل لتمامه واعتدل نوره. وكالأرض في كتمان سره وصبره... وكالماء في لينه لمن لاينه، وكاقتلاعه عظيم الشجر في وقت أمواجه لمن صادمه». ويستشهد الدكتور واين داير بقولة لتوماس ترووارد «إن قانون الطفو لم يكتشف بتأمل غرق الأشياء وإنما بتأمل طفو الأشياء التي كانت تطفو بشكلٍ طبيعي. ثم التساؤل بذكاء عن كيفية حدوث ذلك». للعارفين أقول: أضيئوا قلوبكم بنور الخالق منزهين أنفسكم بعيداً عن الغرور والكبرياء واتبعوا قيماً فطرية نراها متأصلة في قيادتنا الرشيدة... فعندما سُئِلَ عبدالله ابن المقفّع: «من أدّبك»؟ قال: «نفسي. إذا رأيت من غيري حسناً آتيه وإن رأيت قبيحا أبَيْته».