لأنَّ الحوار الذي جرى حول مدنية الدولة ما زال مشتعلاً حتى الآن، وكانت آخر تجلياته المراجعة الأخيرة لمسودة مشروع دستور 2014 لتبديل كلمة «حكمها مدني» وتخفيفها إلى «حكومتها مدنية»، فإن طرح بقية ما أثير حول هذه الكلمة عندما أوردتها في المسودة الأولى لوثيقة الأزهر يكشف عن نوايا الجماعات الدينية في اختطاف الوطن العربي كله، فبعد أن شكك الدكتور صلاح الجوهري في مفهوم مدنية الدولة الذي يكاد يجمع عليه المصريون تصدى الأستاذ نبيل عبد الفتاح الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية في الأهرام والمتخصص في شؤون التيارات الإسلامية للكشف عن حرب المصطلحات الدائرة في أقطارنا ليقول في اجتماع المثقفين بكبار علماء الأزهر وعلى رأسهم الإمام الأكبر: «توقفنا عند مصطلح الدولة المدنية، وأنا أعتقد أن ظاهرة تشويه المصطلحات جزء رئيس من سمات الحركة الثقافية والأكاديمية في مصر ــ فاته أن يقول الإعلامية فهي التي تحتدم فيها المعارك الساخنة ــ وأعتقد أنه السبب في قدر ما من الشقاق، ومن عدم التواصل عند مدارس الفكر والعمل في بلادنا على اختلاف أطيافها الفكرية. النقطة الثانية أن هناك في بعض الأحيان استدعاءات أو تضمينات سلبية لبعض المصطلحات لتخويف الناس منها لاعتبارات سياسية، منها على سبيل المثال «مصطلح العلمانية»، وفي تقديري الشخصي أن الغالبية العظمى من أشباه العلمانيين مصريون، لأنهم متدينون - سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، وهم مؤمنون بالقيم الدينية، ويرى بعضهم أن يترك أمر السياسة لأن بها مخاتلات وكذبا وصراعا على المصالح وبها قتل وتعذيب كما شهدناه في تاريخنا. النقطة المهمة في تقديري أننا ندخل في معارك لا تحسمها الوثائق، منها على سبيل المثال وضع الدين والهوية في نصوص، والهويات تصنعها حركة الشعوب وإنتاجها الاجتماعي والسياسي والثقافي والتقني، وإبداعات الشعوب وتفاعلاتها مع تاريخها وتراكماتها ومكوناتها الدينية والثقافية والحضارية، وأيضاً علاقتها بالعالم المحيط بها تفاعلاً وصراعاً وتنافساً. لست ضد وضع نص ما، لكن من الواضح أن القضية كلها تدافع وصراع وتنابز بالسلبيات من تيار لآخر، فلو حذفنا النص الخاص بكون الإسلام دين الدولة فهل معنى هذا أنه يمحو حقيقة أن أغلبية المصريين مسلمون ينتمون إلى التدين الأزهري الوسطي بصرف النظر عن هذه الغوائل الجديدة التي تمثل خطراً على التدين المتسامح المحب لله وللحياة...أنا أتصوَّر أن مفهوم الدولة المدنية مفهوم مناور، استخدم انطلاقاً من كتابات الإمام محمد عبده الذي كان يقارن بين الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية، وحين طرح الإمام هذا المفهوم كان يتحدث عن نمط من التطور التاريخي لأشكال الدولة، وأنا أقول بمنتهى الصراحة، البعض يستخدمه مفهوماً للمناورة حتى لا يقال إنذار إزاء الدولة العلمانية، ولعلّ مفهوم الدولة الديموقراطية الدستورية يكون مصطلحاً نتفق حوله ويرضينا جميعاً لوصف شكل الدولة الحديثة المعاصرة.ثم تدخل الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة قائلاً إنه إذا كنا نوافق على وثيقة الأزهر هذه، وإذا كانت المشكلة هي عبارة الدولة المدنية فأنا أوافق على مصطلح الدولة الحديثة، وهذا يعني نفس المعنى للدولة الديمقراطية الدستورية، فكل هذه المصطلحات تعني تاريخياً الدولة العلمانية. وللحديث بقية