قال لي أحد النقاد إن الرواية ليست أجمل من القصة القصيرة، فأجبته: أجل، فعالم القصّ أيضاً ممتع ومثير، ورغم انجذاب القراء نحو الرواية إلا أن لكل جنس أدبي عالمه الخاص، وجمالياته التي تعكس رؤية الكاتب وفكره. وللكاتب أن يختص بجنس أدبي أو يمارس الكتابة في أكثر من جنس. ثمة كتاب يحرصون كل الحرص على نموذج أحادي من الكتابة لا يحيدون عنه، لكن يحدث أن لا يشبع جنس بعينه رغبات الكاتب الإبداعية المتنوعة وأفكاره المتعددة، فيذهب إلى جنس آخر، مرة على سبيل التجريب ومرة على سبيل الفضول، خاصة بعد أن يستوفي الكتابة التي شرع فيها أو تفرد بها. وفي كل الأحوال، فإن حضور الرواية الصاخب لا يعني موت القصة القصيرة واندثارها من العالم، بل ربما يعزز مكانتها ويفرد لها حيزاً أدبياً خاصاً؛ إذ إن هناك من يخلص لها إخلاصاً تاماً، ثم إن العمل الروائي أشبه بنص مفتوح يحضر فيه الشعر والسرد لكنه بالتأكيد ليس بديلاً للشعر ولا للقصة القصيرة. القارئ المثقف، الحصيف، يرى في القصة القصيرة أيضاً دلالة مهمة مشبعة بطقوس الحياة المجتمعية وفنونها، والتي تنم عن صورة المكان وتناغم الزمان بأسلوب قصصي فكري فلسفي إبداعي، ولربما لا يمكن لجنس أدبي آخر أن يجسد ما تذهب إليه الحالة القصصية في توغلها الوجودي، وكتابتها الفلسفية التي من شأنها أيضاً أن تختزل الوجوه والأماكن المشتقة من الصورة الحياتية اليومية، وللقصة القصيرة جمالية النص وتجدده، والاستعانة بالرمزية، ولها الصورة والتصور الأمثل في ترجمة ما يصبو إليه الكاتب. لذا، كلما اكتملت الصورة القصصية كلما استحوذت على القارئ الحقيقي، الذي لا يبحث ولا يعنيه أيهما أكثر أصالة، الرواية أم القصة القصيرة، بقدر ما يبحث عن المتعة الحقيقية من وراء النسيج القصصي المتكامل الذي من شأنه أن يظهر الإبداع وبراعة الكاتب ولون الكتابة التي ينتهجها: هل هي كتابة جاذبة أم منفرة؟ بمعنى أن الكاتب هو المحور الذي يحرك خيوط القص بقلمه أمام القارئ الذي إذا ما شعر بجمالية الصورة القصصية تفاعل معها، وشكل لها حيزاً في أجندة قرائية طويلة الأمد لربما تأخذ الرواية فيها المساحة الكبرى لكن تظل القصة القصيرة لها الجزء الأمثل. إذا نظرنا إلى الأعوام العشرة الماضية، سنجد أن الرواية هي مشروع حياة بالنسبة إلى المبدعين، فغالباً ما يكتبها الروائي بعد أن يستوفي تجربته القصصية أو الشعرية أو كلتيهما. الرواية حاضرة، والقصة أيضاً، ولا فن يلغي آخر.. ولكل مجالات إبداعه، وتقنياته، وخصوصيته الإبداعية.