نواصل حديثنا عن نظام التأمين الصحي، وما جلبه من ممارسات غريبة، بسبب ممارسات الشركات المناط بها تطبيقه، وفي مقدمتها «ضمان». كان تفاعل القراء مع ما جاء في هذه الزاوية بالأمس تفاعلاً كبيراً ومتنوعاً، فلا حامل بطاقة «ثقة» واثق مما يقدم له من مستوى تعامل وحجم ما يحظى به من تغطية أو راعي بطاقة «ضمان» ضامن التغطية عندما يقف عند أبواب المنشأة الطبية عامة أو خاصة. الجميع متفق على مقدار التحول والتغيير في المجتمع مع تطبيق نظام التأمين الصحي، الذي حرصت الدولة على أن يغطي كل إنسان منذ اللحظة الأولى لميلاده. ولكن ممارسات «ضمان» وغيرها انحرفت بهذه الغاية السامية لتصبح تجارة بحتة، ولتنزع الوجه الإنساني من مهنة تتعلق بحياة الإنسان. مراجع وجد نفسه أمام موظفة تأمين صحي ترفض إصدار بطاقة لمولوده الجديد؛ لأنه كان باقياً على العام الجديد بضعة أيام، وحتى لا يختل «السيستم» كان على زوجته أن تضبط الولادة مع بداية العام الجديد!!. مجرد صورة هزلية لهذا التعامل الغريب. في جعبة القراء الكثير والكثير من الروايات والمواقف التي لم نر لها مثيلاً، عديدون منا زاروا أوروبا والولايات المتحدة، ولم نشاهد تعقيدات في التعامل مع الضمان الصحي، كما نراه عندنا، رغم أن الفكرة جاءتنا منهم. قضايا التأمين الصحي كانت وما زالت من الأمور المثيرة للجدل في المجتمعات الغربية، ولعل أقرب مثال مواجهة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع كونجرس بلاده لتمرير إصلاحاته الخاصة بالتأمين والرعاية الصحية. أما ما يجري اليوم عندنا من ممارسات شركات التأمين الصحي، فمن حقنا جميعاً التساؤل بعد مضي هذه السنوات على تجربة النظام الذي حصر في البداية بشركة «ضمان» قبل أن تدخل شركات أخرى للسوق الكبيرة، ولتحظى كل منها بحصتها من الكعكة.. التساؤل حول الإضافة التي قدمتها التجربة لقطاع الرعاية، وحجم العقود المبرمة في هذا المجال، وعما إذا كانت قد أسهمت فعلاً في الحد من الهدر الذي كان يشهده القطاع قبل أن تدخل حياتنا شركات التأمين الصحي مع تطبيق التجربة؟. تساؤلات بانتظار إجابات شفافة وعملية، والأهم أنسنة ممارسات تلك الشركات مع احترامنا لحقها في التربح.