تحتفظ المدينة بتألقها.. حضورها الجميل في مشهد الحياة، من خلال العديد من الجوانب الجمالية، منها: الإنسان وطريقة ومستوى عيشه ومعيشته، والطبيعة وفن الاعتناء بها وتجويدها وحماية بيئتها، وتكريس الهندسة بلمساتها الأنيقة.. ومع كل تلك الفعاليات المختلفة، ومنها بكل تأكيد الفعاليات الثقافية التي تبرمج على مدى العام، ويرتبط بها الناس، يُنظمون أوقاتهم من أجل الحرص على حضورها. المدينة أبوظبي هي من أهم وأكثر المدن في المنطقة التي تتمتع بحضور جميل في مشهد الحياة اليومي لما لها من مقومات الجذب المميزة والقدرة على جعل اليوم لطيفاً ومريحاً ومبهجاً. تشكل الفعاليات الثقافية كمعرض الكتاب ومهرجان السينما ومهرجان قصر الحصن ودروب الطوايا وتعابير إماراتية، ومهرجان أبوظبي، وكذلك الأنشطة التي تقدم في «السعديات.. المنطقة الثقافية لأبوظبي»، مناسبات تزين المدينة وتضفي عليها البهجة لما لها من غواية الثقافة والفن. وهي فعاليات جاذبة ارتبط بها جمهورها سنوياً. قبل ستة أعوام تقريباً، أطلقت مبادرة ثقافية مبهجة هي مهرجان «أنغام من الشرق»، إلا أنها اختفت مع الأسف أو بأكثر دقة أوقفت مع عدم ذكر الأسباب، بعد ثلاث دورات متتالية، وكانت الدورة الأخيرة قد عقدت في مسرح أبوظبي على كاسر الأمواج في عام 2010، حيث كان الموعد في كل ليلة مع سهرة موسيقية وغنائية تجول فيها الألحان وتمر عميقاً في الروح وتبهج المزاج وتصفي الذاكرة، تنقي الأذن عبر الماضي الذي يتجدد بوعي ومعرفة في صنعة النغم والحرف. في «أنغام من الشرق»، الذي أطلقته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، سابقاً، هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة حالياً، وكانت دورته الأولى في المجمع الثقافية بأبوظبي، أتى العازفون والمغنون المؤدون والموسيقيون الذين يصرون على أن للشرق روحاً جمالية حية، أن للشرق سحراً مازال فيه من البريق الكثير، أن للشرق موسيقى لها مكانها العميق في ذاكرة أجيال وفي وجدانهم.. موسيقيون يصرون على أن يقدموا الإرث الموسيقي الشرقي ويضيفوا عليه لمسات من إبداعهم الموسيقي. ومع تلك الليالي الجميلة، كنت شخصياً أضبط الساعة، وأبرمج الوقت كي لا يفوتني من سحر الشرق شيء.. وفي ذلك لم أكن وحيداً، بل كان معي الكثيرون من المحبين وعشاق موسيقى الشرق، تمتلئ بهم صالة العرض. لم يكن مهرجان «أنغام من الشرق» فاشلاً، بل كان من أجمل المناسبات الثقافية في المدينة، فلماذا توقف؟ لماذا لم يعد يطل علينا جمال الشرق الموسيقي كموعد سنوي يضفي على أيام العام رونقاً ويكرس من ثقافة الشرق الكثير، في هذا الإيقاع التغريبي الشاسع؟ فهل يمكن إعادة «أنغام من الشرق» بشكل جديد يتجاوز بعض السلبيات الصغيرة السابقة، لينطلق منفتحاً على الشرق كله، وليزيد من جمال ليالي المدينة جمالاً؟ وهنا أعيد ما كتبته في هذا العمود من أمنيات بعد انتهاء الدورة الثالثة بأن يعود مهرجان أنغام من الشرق في دورته المقبلة أكثر إشراقاً وسحراً، يعود مترجماً سحر الشرق بكل بهائه على خشبة المسرح، أن تقدم الحفلات بشيء من مسرحة الحفل الموسيقى، بحيث يعتني أكثر بالإضاءة وديكور المسرح ليتخذ طابعاً يشير حقيقة لما يحتضنه الشرق من جمال، وينقل فتنة الأنغام والألحان والغناء، بصورة احترافية جذابة تسحر العيون قبل الآذن لدى الحضور المهيب في إصغائه. ونتمنى أن يعود إلينا الفنانون بتجاربهم الجديدة في بحر الموسيقى التراثية التي كان حضورها معبقاً بالتقدير والرقي وجمال الأذن التي باحت بأن الذوق العام لم يفسد كله بعد. saad.alhabshi@admedia.ae