لو كنت لا أعرف الأديب عادل خزام سأعرف ما يميزه من فنون الكتابة، وهو الصديق الجميل الذي يرسم بريشة المفكر متوسماً لكل لوحة مساحة تخطها ألوان زاهية من المعاني الجميلة المعتنى بها إلى درجة يشعرك بأنه ينتقي اللفظ المتدفق من حنايا الروح، وهو الذي يشد القارئ تأملاً إلى فضاء الفكر، فكلما توغل إلى بؤرة الضوء المتجسد وسط الفكرة كلما تجسدت الصورة الإبداعية مشرقة لا يشوبها أي من الغموض.. وكتابه الأخير «الحياة بعين ثالثة» هي بوح من تأملات قصصية أقرب إلى العمل الروائي. من أسلوبه الحثيث يشتد زخم الفكر ويتشظى بعين ثالثة كأنه ينساب من هذا الكتاب شلالاً من تضاريس الكتابة الدارجة بعناوين مختلفة تظهر كمشاهد ومقاطع تناوش الخيال وتصاويره الإبداعية، بل يختلج الكاتب منظومة فلسفية شاسعة، فكلما توغل القارئ تتسع الأحداق والرؤى وتحتشد الكلمات المثمرة. إهداء كتابه «الحياة بعين ثالثة» جاء بكلمة تواقة إلى الأم إذ يقول: «هذه أمي طفوت على نهرها مثل ورقة خضراء» فمتى حضرت الأم حضرت الحياة فهي إرادة الحياة التي تكتب بمنطق أو ترسم خريطة اللذة والعذاب مجتمعة في سياق القلب، أي الأمومة التي تدور حولها السطور فمنها يبدأ الاستيقاظ الأول المتفرع نحو غصون الحياة، وهنا يتوهج الكاتب عادل خزام قائلاً: «يد أمي غسلتني في نهر عينيها لأرى الوجود أغنية» فالأم بدء الحياة واستمراريتها وعجين النفس ورائحة الخيال، فلا تطوى طلاسمها مهما تجددت الحياة، فلا ضفة أخرى ممكن أن تقابلها أو تساوي هذا الوجود الذي يعنون الحياة ويختلج فيها الروح. «الحياة بعين ثالثة» عمل روائي يرمز إلى فلسفة الحياة وإحالتها إلى جزئيات فصلية يهدف إليها الكاتب أو يعتبرها منطلقاً مؤثراً وممكناً أن يضع الحياة على عتبات التجدد من حيث لا يضيع الثوابت والمعالم التي تجسدها الرؤى، فمعالم الحياة وروح بنيتها الفلسفية دائماً ما تتجه نحو المتغيرات عبر الزمن وتفضي بالعقل أن يبحث في الأحداث وتحليلها، وتفضي بالقلب أن يصوب نحو لذة الغرائز وبهجة الطبيعة وجماليتها وفضائها الذي يجدد الوجود ويغيّب منها الأشياء التي تنأى أو تخرج من دائرة التأثير، فالوجود دائماً يلغي الجمود الذي لا يمكن له مجابهة الحياة ولكن للحياة خاصيتها ومؤشراتها من النهايات والموت الأبدي والحياة أيضاً أسيرة لنهاية اللحظة والتجدد الذي يرمز إليه الكاتب. يستقي الكاتب الكثير من فلسفة الحياة، وهو دائماً ما ينظر إليها برؤية خاصة ويحيلها تارة إلى مدينة خيالية، وتارة أخرى إلى مدينة واقعية، يسقط عليها وقائع مؤثرة غيرت مجرى التاريخ، فالحياة التي هي دائماً ملتهبة بأحداثها، ومنها تؤخذ العبر لذا يقول الكاتب: «وما الحياة سوى سرك كبير كل يوم يبدأ المهرجون بالدخول إلى مشهد الوجود مقنعين»، «نعيش ثقالاً، ملتصقين بأمنا الأرض التي تسحبنا بجاذبيتها العظمى» فالعين الثالثة نظرة تجسد معالم فلسفية مهمة يوحي بها الكاتب.