كنت أقرأ مادة طبية حول الأنسولين بعد إصابة مفاجئة بالسكر لأحد أفراد عائلتي، فوجدتها صعبة ومعقدة وبها كثير من المصطلحات اليونانية والإنجليزية، لكنني كنت صبورة لأنني كنت أبحث عن تفسير منطقي لإصابة شاب في العشرينيات من عمره وبشكل مباغت بهذا الداء اللعين، القراءة بالنسبة لي متعة شخصية، ربما تناسب طبيعتي الكسولة والشغوفة بالمعرفة في آن معاً، على أية حال فالقراءة عادة كبرت معي واصطحبتني منذ ذلك اليوم الذي أخذتني فيه جدتي من يدي إلى مكتبة «دار الحكمة» يوم كانت تقع فيما كان يعرف في تلك الأيام البعيدة بميدان «جمال عبدالناصر» لأشتري كتاباً كانت إحدى زميلاتي في الفصل تحمله وتتباهى به أمامي، فصممت على أن أحظى بمثله ليوقعني ذلك في عشق القراءة!! لم أحب قراءة الكتب الطبية يوماً، وكذلك فإن علاقتي بالمشافي ليست على ما يرام، لكنني كنت مضطرة لقراءة مادة الأنسولين والسكري، فعرفت من المقال أن الناس تنظر إلى الشيكولاتة، خصوصاً باعتبارها أحد الأطعمة الجالبة للنشاط، وهي في التراث الإنساني مادة مسببة للسعادة، وعلمياً فإن السكر يحتاج لكي يهضم إلى امتصاص هرمون معين في الجسم ما يضطر الجسم لتعويضه بتناول المزيد من السكر، الأمر الذي يسبب النشاط في الأعضاء، والنشاط يقود إلى الحركة والإقبال على الحياة، ومن هنا يظن الناس أن الشيكولاتة في حد ذاتها تسبب السعادة، هذا بحسب المادة التي قرأتها أو ربما هكذا فهمتها، وهو تفسير بدا لي معقولاً! أتذكر أنني سألت أحد الأطباء يوماً بعد أن لاحظت تسوس أسنان الأطفال مبكراً بسبب تناول الشيكولاتة تحديداً: لماذا يشغف الأطفال بالشيكولاتة، تحديداً، قبل أي نوع آخر من الأطعمة، فلم يجبني، ثم وجدت أن العالم كله شغوف بها إلى درجة أن تعرضت دول للاستعمار بسبب أشجار الكاكاو، وإلى درجة أن تحولت الشيكولاتة الفاخرة إلى واحدة من أهم وأرقى الصناعات الوطنية في دول كسويسرا وبلجيكا والنمسا وبريطانيا مثلاً، في حين أنها لا تزرع الكاكاو! الشوكولاته إذاً ليست مادة غذائية عادية يمكن أن نغض الطرف عنها، بل إن واحدة من أشهر الأسماء اللامعة في هذا العالم، بنى شهرته على أسطورة رائعة لزوجة أحد النبلاء البريطانيين، نعم شيكولا جوديفا الشهيرة تقف خلفها أسطورة لسيدة تحمل الاسم نفسه! وقرأت مقالاً منذ أيام تقول محررته إن الناس اليوم صغاراً وكباراً، فقراء وأغنياء، يجمعون على عشق ثلاثة أشياء: كرة القدم، السينما، والشيكولاتة، وتلك حقيقة فعلاً، لذلك فلا عجب حين نشاهد أجمل أفلام السينما التي رشحت للجوائز العالمية تلعب الشيكولاتة دور البطولة فيها مثل فيلم «شيكولا» الذي لعبت بطولته جولييت بينوشيه مع جوني طيب عام 2000. تقول أمي دائماً «إن الحياة كعلبة من الشوكولاته أنت لا تعرف أي واحدة تأخذ»، يقول الممثل توم هانكس في فيلم «فروست غامب»، واصفاً الحياة والقرارات العشوائية التي نتخذها، هذا قول صائب ودقيق فيما يخص القرارات العشوائية، لكن من ذا يقاوم علبة الشيكولاتة!!