الخروج من النفق المظلم يحتاج الكثير من الألم، الكثير من الحزن والعذاب والخوف والتردد، الكثير من السقوط المرتبك والقاتل، يحتاج مغامرين كباراً، قلوباً قوية في الحب، يحتاج أرواحاً تجنح لسلامها، يحتاج إيماناً عميقاً بأن الجروح ستندمل، وأن النور القادم سيغسل العيون بكل تأكيد، الخروج يحتاج تراجيديا رقص العصفور في الألم. في المشاهد المقلقة والمخيفة، المشاهد القاسية والحزينة على خريطة أمنا الأرض: الموت من الحر، والموت من البرد.. المئات من الأطفال يقضون كل يوم من الجوع والعوز والمرض، الآلاف يشردون من بيوتهم وديارهم، تتوه بهم الأيام ويكسرون نظرتنا من الحزن عليهم والألم.. المشاعر البشرية الهائجة بالقسوة وغياب الرحمة وانفلات رغبات الانتقام والكراهية.. تنامي رغبة القتل والجهر به.. التباهي بسفك دماء الأبرياء باسم الدين والأعراف البالية.. التعصب الأعمى والانتصار الأعمى، كلها مشاهد تعني أننا في الظلام تماماً، في الظلام الحالك وكأن لا نور يومض في الأفق، ولا أمل يرجى من الغد. في وسط كل ذلك تحتاج البشرية إلى وقفة تأمل في الواقع البشري الذي إنْ بدا ناصعاً في بعض مساحات الأرض، إلا أنه يبقى مشوشاً وضبابياً حين التحديق فيه بعين تكشف التداعيات المتأتية من مساحة أخرى من الأرض، وهي تعاني الفوضى، وألا حيلة أمام جبروت الأقوى، تعاني ذلك الهم والغم، وترزح الإنسانية فيها تحت خطوات كل شيء: الفقر والمرض والخوف والضعف. ففي ذاكرة التاريخ، وعلم الكيمياء، وعلم الأحياء، نماذج ووقائع حول كيف تتأثر الكتلة المترابطة أو المتماسكة بمجملها من خلل أو مرض يصيب أحد أطرافها، أي إن الكوارث البشرية في كل أشكالها يمكن أن تزحف ولو بعد حين لتصيب واقعاً كان سليماً، حيث مصير البشرية مشترك مهما اعتقد البعض عكس ذلك، وزرعوا بذور الفتنة، وأمعنوا في التهميش والإقصاء وتجاهل مصاب الآخرين، ورفعوا اليد بدلاً من مدها، مهما ظنوا أنهم في منأى من كل شيء. فهل تفرز البشرية نماذج جديدة من الفرسان، من أبطال السلام لكي يخرجوا الإنسان من النفق المظلم، ويديروا دفة الأرض إلى طريق النجاة؟