متى يبدأ الانحراف؟ في الأسرة الواحدة، في الدولة الواحدة، في الدول مجتمعة.. عندما يكون الوالدان في حالة تشرذم أخلاقي وقيمي، فإنّ الأذرع الصغيرة تبدأ في التمدد خارج الجدران في البيت الواحد، وبالتالي تتسع الحدقات على شعاب وهضاب قد تؤدي إلى اختلال التوازن في الأسرة، ومن ثم تفكك أضلاعها بعد أن ينغمس الأبناء في علاقات أخلاقية بائدة .. في الدولة الواحدة، نجد ذلك بنفس المستوى والاتجاه، فعندما يتشظى المجتمع، ويتعثر في كبوات اجتماعية وأخلاقية ودينية، ينشأ الانحراف والتطرف وتخرج العلاقات الإنسانية عن إطارها الصحيح، وبذلك تهوى القيم في مستنقع عدواني يضرب أطنابه في نخاع العظم، والمثال نشهده الآن في الدول التي شهدت ما أطلق عليه جزافاً واستخفافاً «الثورات» .. فماذا يعني أن تستولي مجموعة مسلحة على منابع بترول، وتبيع وتشتري خارج إرادة البلد الذي كان في يوم من الأيام يطلق عليه «دولة» وهي ليبيا. ماذا يعني أن تتفكك دولة، مثل سوريا، وتصبح في صراع مرير ومؤلم، بين أنظمة أخلاقية مختلفة، يحاول كل منها إيجاد المبرر لوجوده، وتحت ذرائع مختلفة بدءاً من النظام نفسه الذي أصبح شبه نظام، وانتهاءً بالعناصر المسلحة وتحت مسميات عديدة .. ماذا يعني أن تجد مصر الدولة الكبرى في المنطقة نفسها أمام إثبات وجود في مواجهة تنظيم اكتسب مشروعية بانتهاز فرصة الخلل الناجم عن ضعف المنظومة الاجتماعية، وبصور مخادعة صار هذا التنظيم المنبوذ هو المخوّل لحكم دولة بحجم مصر، حكمت نفسها بأخلاق المجموع الكلي للوطن وليس بأجندة فئة تكوَّنت بفعل حيل دفاعية، ومشاهد تصور المجرم في دور الضحية حتى صدقت فئة من الناس وفاز التنظيم في الانتخابات وحكم ولولا رعاية الله ووعي ذوي العقل السليم لمرَّت أكثر لسنوات طويلة وبعدها يصبح لا ندم على الألم.. إذن، متى تطفو هذه الطفيليات في أي مجتمع أو أمة؟ لا بد من اليقين من أن أي انجراف لأي مجموعة يخرج من رحم قيم ضمرت أعضاؤها وتلاشت صورتها خلف ستارة غليظة من قيم جديدة استطاعت فئة ما دسها بالحيلة والخديعة، وبالتالي أصبح الانحراف هو الحقيقة وما عداه ظلاً هارباً من لظى التصهد الأخلاقي الذي تعيشه المجتمعات. إذن، فنحن أمام مفترق طرق فإما أن يواجه الإنسان دوره الأخلاقي والعقائدي بكل صرامة وحزم ليحمي أضلاع حياته من الضياع في براثن الانحرافات أو أنه يخنع، ويذعن لما تريده فئات ضلت طريقها وأصبحت هي السيدة والسائدة، ماذا نفعل .. يجب ألا تخدعنا بعض اللفائف البيضاء على رؤوس الأفاعي، وأن نعي دورنا وإسلامنا، ونقول الإسلام غايتنا في إصلاح أوطاننا وضمائرنا ومن لا ينتمي إلى وطنه فهو كاره لإسلامه. Uae88999@gmail.com