وجه كبير هو وجه العالم، وجه متعدد، متلون، متغير؛ وفي حين تدعو مدارس الأمل البشر أن ينظروا إلى المناطق الأجمل، إلى أن يحدقوا في وجه العالم الجميل، تنكسر عيون الناس أمام البشاعة التي تصطدم بها كل يوم، أمام المشاهد المفجعة وهي تنتقل عبر القارات مخترقة الفضاء المفتوح لتحط أمامك في الصندوق الذي غير معنى اليوم وأربك الثقة في مستقبل البشرية، لما يشاهد من قتل يومي، من موت يحصد الصغار والكبار، وعداء ينمو في الصدور، وانتقام يتجلى بأشد وسائل القمع والقتل، ذلك لا لشيء سوى أن مساحة الجهل والتخلف اتسعت إلى أكثر من حدود الأرض، لأن الرغبة في التسلط والاستبداد صارت تسكن التفكير كله. ينقل التلفاز كل يوم مشاهد الجثث في الشوارع، الأطفال الجياع، المرضى بلا أمل لعلاج، فرص التعليم المعدومة، الموت المجاني لأعداد كبيرة لأن مختلا وممسوسا بوهم أنه الحق وأنه الطريق إلى الله، وأنه يملك مفاتيح الخلاص وأن فعله مبارك، قد قرر أن لا ينتحر وحيدا، وأن يسرق أعز ما لدى الإنسان، وهي روحه، دون أدنى شعور بالذنب أو الرأفة. نحدق في وجه العالم نراه مبتسماً أحيانا، فرحاً مليئاً بالبهجة والمسرة، وعندها نتساءل ما به لا يستقر على هذا الحال؟ لماذا لا تمضي البشرية كلها بلا آلام؟ لماذا لا يكون الصباح جميلا في كل مكان؟ إلا أن الإجابة لا تأتي مطلقا؛ يبتسم شخص هنا ويبكي قربه آخر، يلعب طفل هنا ويجوع طفل في أقصى الأرض. فعندما نفقد الأمل لا يمكن أن نرى من وجه العالم سوى كآبته؛ حيث كيف يمكن أن نطلب من مسلوب الحق، مسلوب الإرادة أن يحدق في وجه العالم ويراه جميلًا؟ كيف يمكن للمظلوم أن يرى الأمر كذلك، كيف للفقير المعوز من لا يجد طريقاً للنجاة من البؤس الساكن في كل تفاصيل حياته أن ينظر إلى وجه العالم ويراه جميلاً.. كيف؟ ما الذي يمكن أن ينقذ المشهد؟ هل يمكن للثقافة أن تجمل وجه العالم؟، وأي نوع من الثقافة يمكنها أن تجعل العالم جميلًا؟ حيث الثقافات متعددة، كما أنها ـ الثقافات ـ تشترك من بعيد أو قريب في بشاعة وجه العالم عبر حرب الثقافات القديم الجديد. في هذه اللحظة تتجمد أصابعي وتجول وجوه العالم في خيالي، وأتصور الفشل المطلق ولا جدوى من تغيير الواقع، لا بطوفان نوح ولا بحرق عمورة وسدوم؛ لكن ربما حرية القبول والرفض بلا عداء، والإيمان بفلسفة تآخي الشعوب، عبر الاشتراك في مفهوم الجمال الذي يحققه الفن والعلم والرياضة وغرس المحبة في الصدور وتكريس ثقافة التطوع، يمكن أن تزيح شيئاً من كآبة وجه العالم، يمكن أن يكف الخبر السيئ أن يتردد عشرات المرات في اليوم، ربما يبتسم وجه العالم أمام الوردة، ربما يتعاطف مع طفل يبكي من الجوع، ربما يوقف طلقة مندفعة إلى رأس إنسان. لكن من الغريب أنه رغم كل التنوع المخيف لوجه العالم ما زالت هناك بسمة في أكثر مناطق البؤس ألما حيث يطل وجه العالم بكل تفاصيله المرعبة. بسمة حين ننظر إليها يرتبك وجه العالم. saad.alhabshi@admedia.ae