في الرابع والعشرين من يناير الفائت صرخ التاريخ مفجوعاً عندما تناثرت أشلاء متحف الفن الإسلامي في باب الخلق في مصر إثر تفجير انتحاري بغيض طال مديرية الأمن في القاهرة والتي يجاورها هذا المتحف منذ زمن بعيد.. العبثيون لا يريدون وجهاً للتاريخ ولا جذوراً ولا معالم تؤكد رسوخه وشموخه، هؤلاء الكارهون يدمرون كل ما هو حي، وكل ما يعبر عن حياة شعب وحضارته، وكما فعلوا في مثوى أبي العلاء المعري في المعرة في سوريا وكما سجلوا سخطهم في أفغانستان حين أطاحوا بكل ما يمثل إرث وتراث شعب يضعون أصابعهم المدمية بالحقد اليوم على مأثر من مآثر مصر لأنهم يريدون أن يواجهوا الموت بالحياة والتدمير بالإعمار والتخريب بالأزهار. يريدون وجهاً سوداوياً قميئاً لأنهم يريدون تشويه الإسلام وتسويف الدين وصياغة واقع مفرغ من المعنى والمضمون، يريدون الذهاب بالإنسانية إلى اللاشيء وإلى عدمية لا تبقى ولا تذر، يريدون وضع العالم في وعاء يفور بالماء الأجار، يريدون أن يصنعوا فقط عجلاً له خوار، معتقدين أنه من الدين بشيء، وهذه هي الشعوذة بعينها هذه الهذاءات عندما يصاب الإنسان بانفصام الشخصية الذي يؤدي إلى بارانويا مفزعة، فيتصور أنه قادر على إلغاء العالم وصياغة واقع جديد لا يمت بأية صلة إلى الواقع الإنساني. إنه واقع جنون العظمة وتهشيم الوجدان الإنساني وتحطيم معطياته ومنجزاته.. هذا الخروج من الذات والولوج في خنادق التخلف والتزلف والتكلف والتلف والعسف، إنما هو نتيجة وقوع هذه المجموعات في مصيدة النفس الأمارة التي تدفع بالإنسان أن يرتكب الفواحش ويبطش ويفتك دون أدنى تأنيب ضمير، لأنه غطس في بحيرات الوهم، وأعتقد أنه يملك صكوك الغفران وأن لديه عصا النجاة من النار، وأنه القادر على بعث الأرواح بعد الموت.. هذه الخزعبلات التي جعلت من المشعوذين يعتقدون أن الفن جزء من العصيان، وهذه الخرافات التي صنعت من هؤلاء جراداً يلاحق الأخضر أينما وجد، وهذه الأفكار العدمية هي التي أبادت أي خطوة نيرة تجاه الحياة بالنسبة لهؤلاء وبالتالي لا يجدون جدوى من أي إنجاز إنساني بل كل ما يريدون، خوض معارك القتل على الدوام وزعزعة الروح البشرية وإلقائها في مواقد الحرقة والكبد والإطاحة بالعقول لكي تصبح مجرد أدوات مسيرة من قبل دعاة مدعين ورعاة مفترين وأصحاب باع طويلة في الكذب والادعاء. Uae88999@gmail.com