تراها ستأتي..؟ تلك التي يسمونها الحرية، بفستانها الشفّاف، وبكلماتها التي تحلّقُ في روح العصافير. عندما نجلسُ قبالة المستحيل ونراه يأتي إلينا زاحفاً يبغي ظلالها. وعندما يُشرق الصفاء من قلوبنا ويعمُّ، لتصبحَ الأرضُ بعدها ملعب النعيم. ونرى في دفاتر الأحلام النساء الجميلات يغرفن من نهر الأماني عسلاً ويغسلن به الطفولة. ونسمعُ في تغريدة النسيم أسماء من نحبّهم وهم يصعدون الى قيامة البهجة، ويرموننا من أعالي الذكريات بحبال وصل لا يقطّها الزمن. واذا فتحنا نوافذنا، دخلت فراشاتٌ كنا نطاردها في صِبا الشوق، وهبّ علينا عبق العذوبة الناعم. وأميّ التي رأيتها تعجنُ الصبر وتُرضعني لبن التأنيّ، تصير ملاكاً نائماً في غيمة الورد. وأبي الذي ربط حبلاً بين النخلة وسفن البحر ومشى عليه دهراً، يرتاحُ في ظهيرة الرأفة، ويمسح عرقه بقبلات أحفادٍ لا يُعدّون. تُراه سيذهب الى غير رجعة..؟ ذلك الذي يسمونه الخوف، حاملُ السياط على ظهور البائسين، أبُو الرجفةِ وسيّد الارتباك ومدّاح النار. الخوف الذي زرعته النواهي حجراً في الطريق إلى المدى، والذي رفعته الأوامر يداً وعصا وأفواهٍاً لا تبوح إلا بالحذر. عندما نقشعُه من كلماتنا لنذوق قافية الندى، ونصعد جبل احتفالنا بالحياة غير مكترثين للرهبة. لا يصدّنا نبحُ المندّسين في الظلام، ولا يغيّر مجرانا اشتداد العاصفة. وأخي الذي تكوّر في الزوايا وذبلت قمصانه بانتظار اليقين، ينهضُ، ويُزفُّ إلى عرس الكرامة. وأختي، بعد أن خطفتها ساحرات المرايا، تطلعُ أخيراً من جدار الحيرة، ويكون البحرُ ثوب جمالها حين تجلس على عرش الياسمين. لنبدأ إذن. خذ الندم وأدفنه في حفرةٍ وأسكب على تبرمكَ الابتسامة. ثم افتح من بين ضلوعك جناحيك النائمين وجرّب أن تكشّ بهما قيودك المغروسة في الوهم، وسترى أنك نسرُ حنينٍ لا ينضب، وفمكَ شهوةُ غناء. وعلى الورقة التي اصفرّت في كفّ حضنك، اكتب نداءك اسماً واصرخ به حين تراها تمرُّ، تلك المرأةُ التي لو التفتت إلى عينيك، أغشاك صبحُ زهورها. ولو نطَقتْ باسمك في سبع جنّات، لنصبّوك تاجاً على رأس القصيدة، وجعلوا من لُعاب عينيك حبراً يغسلُ همهمات التردد، ويطهّر خيالاتهم من خشية العشق. وبدلاً من الدمع، سيُوقدُ الشمع. وسيدركُ الناسُ أن شجرة العذاب، وإن كان لها ألف غصنٍ، يمكن أن تُقطع. وأن الخلود هو لحظة سلام مع الذات وساعة صفوٍ عائمة.