عندنا نحن العرب المسجلين، نصفنا تقريباً بأميين للقراءة والكتابة، وثلاثة أرباعنا مصنفين بالأمية الجديدة التي تعني التعامل الذكي مع الوسائط الذكية، مقولة تخاذلية، تقول: “إن الثقافة لا تؤكل خبزاً أو عيشاً”، وربما لتلك العبارة جذراً عربياً قديما، حينما كان ينعت صاحب الثقافة ومتعاطيها، بأنه أدركته حرفة الأدب أي أصابه الفقر والعوز، لأن الثقافة لا تطعم خبزاً. إن هذا الاستهجان لفعل الثقافة، والتقليل من شأنها في رفعة الفرد والمجتمع أمر قد يرد للجهل المتفشي الذي لم تستطع الحكومات “الثورجية والعسكرتارية والتوريثة” في وطننا العربي أن تحاربه، في ظل انشغالاتها الدائمة في محاربة العدو الوهمي، ومحاربة مواطنيها الطليعيين، ومحاربة الديمقراطية، حتى إنها لم تضع له خطة مبرمجة، وعلى مدى سنوات طويلة لمحوه من البلاد، كما فعل “ماو” في ثورته الثقافية أو كما تفعل بعض الدول في أمريكا اللاتينية، مثل تشيلي، ولعل المقارنة بين الدول الناطقة بالإسبانية، والدول الناطقة بالعربية، لمقاربتهما سكانياً، وتشابه الظروف السياسية والاقتصادية، في مجال الطباعة والقراءة والترجمة، وتصدير اللغة الإسبانية، ظلم، ولا يمكن مقارنته، خجلاً من هول الأرقام اللاتينية، وضئالة في الأرقام العربية، فما بالكم حينما تكون المقارنة بأوروبا، ولعل البعض سيدهش، وينظر لنا بمنظور عبثي أو سوداوي، حينما يرد وضعنا العربي المتردي لأيام الدول العثمانية، واليوم، بالطبع صار هناك تغيير، وتطور، ونهضة، وحركة تنوير، لكن في ظل انفجار ديموغرافي عربي، وغياب الخطط التنموية المستدامة، وعدم وضوح خارطة الاقتصاد والتعليم العربي، وأوضاع سياسية غير مستقرة، وزحف حضاري آخر قادم لا محالة، تتراجع الحالة العربية، وقد تصل لحد الانكماش، ليسود الجهل، لأنه الضمان الوحيد لبقاء فساد الأنظمة، وتردي أوضاع المواطن العربي، وحياته الاجتماعية، حينها لابد من إطلاق بعض الصيحات المتخاذلة أن الثقافة عندنا لا تطعم عيشاً، لكن الثقافة في أوروبا تطعم وببذخ “بسكويت وشوكولا وفريز”، وتعطي للأفراد والمجتمعات توهجاً، وأملاً، وتعضدها على تجاوز محنها، ومشكلاتها الطارئة، لأن الشعوب فيها والأفراد آمنوا أن الثقافة تصنع التغيير، وتخلق الإصلاح، وتحدث الفرق، حتى أصبحت هذه الثقافة جزءاً من حياة الناس والمجتمعات، وأمر هو من الطبيعة لا يمكن الإستغناء عنه في يومهم، ولو أخذنا شطراً واحداً من الثقافة كمثال، وهي القراءة، فالأوروبي يشاهد المباريات، ويعمل ساعات أطول من العربي، ويشاهد التليفزيون، ويذهب للسينما، ولديه اهتمامات عائلية حقيقية، لكن من الصعب أن يمر شهران دون أن يقرأ كتاباً، ويحوله لزوجته أو أولاده، العربي مستعد أن يصرف من حياته خمسمائة ساعة على مسلسل تركي مدبلج سمج، ويتسلى بالأكل خلالها، ويفرط في حق نفسه وعائلته، لكنه غير مستعد أن يصرف عشر ساعات على قراءة كتاب واحد أو يحمل لزوجته كتاباً هدية أو يدل ولده على كتاب! amood8@yahoo.com