فضائح هنا وفضائح هناك، هذا هو حال كرة القدم هذه الأيام، ولا صوت يعلو فوق صوت الفساد الذي بات سرطاناً ينخر في جسد اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ومع إطلالة كل صباح هناك خبر جديد، حول الطريقة التي كانت تدار بها اللعبة، والمؤسسة التي كانت تنادي بالنزاهة والشفافية والعدالة أصبح القائمون عليها اليوم في قائمة الاتهام. لم يكن الثعلب بلاتر يتوقع يوماً أنه سيكون في هذا الموقف، ولعل إصراره على الإخلال بكل القوانين التي دافع عنها مراراً، والضرب بكل الوعود التي قطعها سابقاً عرض الحائط والتعهد بحماية ديمقراطية المؤسسة وعدم التمسك بكرسي الرئاسة، هي الأسباب المباشرة لما يواجهه اليوم من طوفان جارف قد يدمر تاريخه الذي عمل على صناعته لعقود من الزمان. ولكن من الخطأ الاعتقاد ولو لوهلة أن بلاتر سيسقط وحيداً، ولكن ستتساقط معه الكثير من الرؤوس، وبالتأكيد عندما يدرك أنه سيخسر كل شيء وسيسقط في الهاوية فلابد أن تلتقف يداه الكثير من الأرجل ليسحبها معه، وتطبيقاً للمثل القائل «علي وعلى أعدائي»، لن يرحل بلاتر دون أن يهدم المعبد على جميع من كان شريكاً له أو تواطأ معه. هكذا أصبح حال اللعبة التي أحبها الجميع، وعندما تغلغلت الأموال فيها اعتقد الكثيرون أن هذا سيكون في صالحها ومحركاً في سبيل تطويرها، ولكن لم يحدث هذا، وبدلاً من أن يكون المال داعماً إلا أنه سيطر على كل مفاصل اللعبة، وأصبحت كرة القدم شيئاً ثانوياً تتحكم فيه رؤوس الأموال النظيفة والقذرة على حد السواء. تستعيد ذكريات اللعبة التي كانت الملاذ الحقيقي للفقراء قبل الأغنياء، والتي كانت تدخل كل بيت بلا استئذان، ولكنها لم تعد كذلك، بل أصبحت وجبة ثمينة على موائد الأثرياء، وبعدما كانت حاجة ضرورية شأنها شأن الماء والهواء، باتت من ضمن الكماليات باهضة الثمن، والتي قد يقتطع ثمنها الفقراء من قوت أبنائهم إذا ما أرادوا الحصول عليها. وا أسفاه على كرة القدم، إذ لم يعد هدف مثل الذي سجله مارادونا في مرمى انجلترا في كأس العالم 1986 رمزاً لمتعتها، أو محوراً للحديث عنها، ولكنها الجيوب المتورمة، والأرصدة المتضخمة، وفضائح الفساد التي نتمنى أن تختفي وتعيد لنا اللعبة التي أحببنا، حتى ننسى بلاتر وفالكه ووارنر وجرندونا، ولا نتذكر سوى مهارات باجيو وسحر ميسي وأهداف رونالدو وأسطورة مارادونا.