للغياب لون الليل والويل، ورائحة اليباب.. للغياب رجفة اللحظة المباغتة، حين يبدو القلب كزعنفة راجعة، والنفس تخفي زمان اللوعة، بطاقة متلاشية.. سبتمبر اجتاح الإمارات بأسئلة الفراق، ويوم تشرئب الأعناق، وتتفرع الأشواق، مثل عملاق صب عذابه في الأحداق والأعماق.. سبتمبر كما أنه شهر الفخر والعزة، هو أيضاً مادت خيامه على الرؤوس، ومادت أرضه، حيث يمشي على أديمها كائن أسطوري اسمه الموت.. رحم الله راشد بن محمد الفارس والحارس، والنابس ببوح الحياة والحيوية، القابس عند شروق الصحراوي، وعلى كثبها الأغر، تجود جياد الحلم بأجود ما أنجبته الإمارات، وأنبل نسلها وخصلها وأصلها. سبتمبر.. الأيام فيه لحظات تتشظى بالمواقف النبيلة، كما أنها تتلظى بدمعات سالت على الوجنات من أمهات فقدن فلذات الأكباد، لكنهن اعتصمن بحبل المودة مع وطن أبلى بلاء حسناً في عطائه ووفائه، وصفائه ونخوته، وأبدى ما أبدته السماء من غيث بلل ريق العشاق، وأجلى عن الروح صدأ الأزمنة المرة.. رحم الله شهداءنا الأبرار، وأسكنهم جنات فردوسه، هؤلاء الذين منحونا الحياة، حين سالت دماؤهم الزكية، من أجل الشرف ومن أجل الحرية، ومن أجل خليج عربي، لا يغثه غثيث، ولا يرثه رثيث، هؤلاء الذين قالوا للسيل العارم توقف فهنا يمننا ويميننا، وإيماننا وأمنياتنا، هنا السد والصد، وهنا تاريخ، لن تخربش على صفحاته أيد ملوثة ولا نفوس عابثة، هنا الجغرافيا، حيث يكمن الإرث والأثر، وهنا عنب الجبال الشاهقة، والأعناق السامقة والجباه الباسقة.. رحم الله من غابوا وفارقوا، ولكن الإمارات جديرة بالصبر والسلوان، جديرة بنخوة الشجعان.. رحم الله شهداءنا، فإن أدمعت العين، يبقى القلب كاللجين، يجدد لقاؤه على البريق، ويسطع باللون الأنيق، لتبقى الأرض ريانة بالضوء، ملأى بأحلام الذين لا يطفئون المصابيح حتى في أحلك الظروف، وأشدها قساوة وضراوة. سبتمبر.. سيبقى في الذاكرة، رسماً على الجبين، وشماً يخضب الكفين، ونبقى نحن أوفياء للذين غادرونا وتركوا لنا رائحة مسكهم تذوب في ثنايا الروح، وتغسل القلب من الوهن والعهن، ومن كبوات الزمن.. هؤلاء الأحبة يبقون في الوجدان نقشاً يلون حياتنا بالأمل، حتى وإنْ كان الفقدان كبيراً.. سبتمبر.. شهر ليس كسائر الشهور، لأنه امتلك اللحظة في حياتنا وغير ما غير..