الجلوس بوضع التكتف.. انتابتني تلك الفكرة، وشعرت بضيق مقعد الطائرة بما رحب، حين جلست بجانبي امرأة تتشح بسواد الشيلة والعباءة، وهمست همساً بالسلام، حين همت بالجلوس مترددة، رددت التحية بأحسن منها، لكي يكتشف كل منا لهجة الآخر، رافعاً رأسي صوبها بطريقة تلقائية، حينما يسمع الإنسان الصوت، لكنني كسرت عيّنيّ، وختلت في مكاني، عم الصمت، ولمحتها بطرف عين تقرأ كتيب أدعية السفر، وفي مصحف صغير، فجلست أعد أنفاسي، وأتحاشى كثرة الحركة، داعياً أن لا تأتيني عطسة مفاجئة أزيّغ حمامة فؤادها، متأملاً كيف ستنقضي هذه الساعات السبع العجاف. مرة.. قلت سأكذب عليها، وسأقول لها إنني لبناني، «بلكي» بتنفرج شوية، وتطرّى حالة التشنج الذي نعيش ساعاتها الطوال، فتذكرت أن لا سلسلة ذهب في العنق، ولا «بلاك» في اليد، ولا نظارة شمسية تستقر على الشعر اللامع بالجل، ثم «الشيفة مش شيفة» لبناني عنده «بزنيس» فغيرت رأيي، وتحيدت أن فاجأتني بسؤال عن المنبت، ما لي غير الصحراء العربية الكبرى، ما شي لي زبّنة غير عند أخواننا الليبيين، السحنة تتشابه واللهجة تتقارب، ما عليك إلا تزويد وتيرة الصوت، مع الإدغام، وتجعل نفسك دائماً مش فاضي، تنفست الصعداء، حتى أنها شعرت بتغير حصل في تجاويف صدر الجار غير المرغوب فيه من جانبها، وشعرت أنا في خدي بسخونة ترعى العنق، ولم أجسر أن التفت أو أرفع عيني، لأنها كانت تشبرني أو تريد أن تتأكد من نواياي، فقلت في داخلي لعلني تحركت ولامست أطرافي أطرافها من غير ما أشعر، فترجمتها مباشرة إلى فعل مناف للحياء، فازداد لهيب عنقي، متخوفاً من تلك الصرخة النسائية التي تسكن في صدر الأنثى، ولا تعرف متى تطلقها؟ وعادة تكون على سوء فهم، وخطأ غير مقصود، وكثيراً بدعوى جذب الانتباه، وكثيراً جداً من أجل الانتقام من رجل، فقلت لو صرخت هذه الآدمية، وكانت على خطأ، وأنا على صواب، فلن يصدقني أحد، ولو أخرجت مصحفي ومسباحي، باطّاً نفسي بأغلظ الأيمان، أنني مثال للزوج الملتزم، فلن تجد من الجمع الغفير غير ما تبادر لأذهانهم من فعل حرام، ولما عدت الدقائق دون أن تلطم بذاك الصوت، ظللت متوجساً أن تخرج منها كلمة نابية، أقلها: «ضك عني هناك يا الخايس» طبعاً لن أستطيع أن أرد عليها: «خاست ريحتك»، لأن التاريخ لم يذكر لنا مرة أن تلاسن رجل مع امرأة على ملأ من الناس، وربح الرجل... وغداً نكمل