قاب عينين أو أشهى هو العيدُ قربكِ. حين يجمعنا قلبانِ تعذبا في الفراق حتى تاقا لمعانقة السماء، والنهلِ من صفاءِ سلامها. وحين أجلسُ قرب طلوعك من نبع نورٍ وأدخل في ضياءٍ ويغمرني شلالٌ من كريستالٍ بهيّ. متشبثاً في ثوبك الأبيض الطويل وأنت تغادرين إلى مكمن البهجة، تتفتّح لكِ قصور الجنّات البعيدة. ويكون من حسن حظي أن أدخل مع ظلالك، وأن يراني الحراسُ مجرّد وشمٍ على منديلكِ الفوّاح. أو بقايا من خيط حنّاء على كفٍ تلوحين بها للعاجزين فيولدوا، وتصافحين بها الزمان فيبدأ. ويكون العيد هو أول وعدٍ لنا، وأول ما نكتبه حين أمدّ قلبي زهرةً، وتمدين يدكِ برعماً، ويزّفنا النسيمُ باكورة عشقٍ تزدهي بها الحياةُ ويُثمرُ ضرعها عسلاً ترتوي منه البلاد. تعالي، وسترين كيف تنقلب ذرات رمل الأرض إلى ذهبٍ زكيّ. يوم تدوسين على عشب المسافة فتورقُ على جانبيها الباسقات. وتعلو في دروب الحائرين منارة الصحو، وتخرج اليقظةُ من مخبأ المندسين في الخوف. وحين تلتفتين إلى يمينكِ، سترين هذا البحر يرقص موجة فوق موجة وتصير زرقته كحلاً في عيونك والمدى. وسوف تتناهى إلى سمعكِ آهات أقوامٍ دُفنوا في الصبرِ وصار لحافُهم النسيان، وهؤلاء سوف تغسلُ أحزانهم نسمةً من عطر مروركِ نحو قلبي. يا طائر العيد أترك لنا ريشة من جناحك، لعلنا نكتب بها رسائل المشتاق للمشتاق. ولعلي أعلّقها عقربا في ساعة اللقاء قبل أن يدقّ جرس المحبة، وتصدحُ في قلوب الناس نوايا أن يخرجوا جماعات في ابتهال العرس، ونحن نمر من بينهم مرفوعين على أكف الورد، ولكن لا نعرف أين مجرانا، وفي أي مرسى سوف تحط بنا سفينة الذهول. وليس مهماً بعدها لو تنمّر الحاسدُ ورمانا بتهمة العشق. ولن نكترث لو كتبوا في سيرة الدهر بأننا كنّا نلبي طفولة قلبينا. هاتي جناحك ولنحلّق أبعد من نميمتهم. أو خذي جناحي جسراً لكلماتك البيضاء وقولي في الحشود: من لم يلمس الحب يفطسُ في المرارة، وتخنق قلبه غصّة المحروم من عطر الحياة. سيكون غناؤهم حزناً، ونشيدهم محض عواء. هؤلاء الذين نسوا أنك العيد، وذهبوا يفتشون عن المسرّة في بقايا الذكريات. كل أرضٍ لم تطأها ظلالكِ لن تعرف السعد ولا منتهاه. وكل زمانٍ لم يكن لحظةً في ضوء عمرك هو العدم. والحبُّ إن لم تطلّي عليه في إشراقة العيد، مجرّد كلمة من همس أمس. عادل خزام