في العيد فرحة في المجيء وترحة في الغياب، وما بين السطرين، أنهار تجري وتفر طيور خافقة مترقرقة مصفقة محدقة معانقة النجوم فوق الغيوم، عند هامات تطوق الأعناق والأخفاق والأحداق.. في العيد كلمة تكتب وأخرى تشطب، وما بين الكلمتين تسمق شجرة الخلد على أوراقها أسماء لرجال هتفوا للمجد وهفهفوا للوعد وساروا مجللين بالهوى وعشق الوطن، وأخبروا الزمن أنهم إذ يغيبوا إنما ليأتوا بالخبر اليقين والعلم المستبين، وما بين أيديهم بيان الحلم والحق المبين.. في العيد تاريخ يطوي أوراقه وآخر يفتح أحداقه، ينظر ويبصر، فيخبر أن في الإمارات زمناً خلع ملابسه القديمة وارتدى معطف اليقين، والمرابطون على أرض اليمن هم شامة الجبين، هم النور واللجين، هم الشجرة الوارفة والغصن المتين، هم الزيتون والتين، هم الجوهر الثمين، هؤلاء هم الذين رسموا الصورة المثلى لإنسان بناه زايد الخير، طيب الله ثراه، هؤلاء النموذج، والمنطقة الوسطى ما بين الشريان والوريد، هؤلاء هم قوتنا وبأسنا الشديد، منذ البداية ومنذ الاتحاد الوليد، فهذا هو تاريخنا، هذا مجدنا التليد، هذا زمننا المجيد. في العيد.. نخفق ونطرق أبواب المحبة لأجل أحبة، لأجل عشاق نظموا قصيدة الوطن بكلمات من لحن وشجن، ومن دماء هي الحبر والسبر والخبر، هي النهر وهي السر، وهي الجوهر الصافي والدرر.. في العيد نبارك لأنفسنا لأننا أبناء هذا الوطن، ومن سلالة الصحراء الأبية والبحر الأغر، نبارك ونمسح الدمعة من الأحداق، ونلقي النظر لأفق صار قريباً يحمل تباشير نصر وظفر، فالبواسل فاصلة في التاريخ، وفصل في المعركة، وفصل من فصول بهجتنا.. في العيد نقول لأم الشهيد وأرملة الشهيد وابن الشهيد: هنيئاً لكم أيها النجباء، يا من صنعتم رجالاً، نبلاء أوفياء، هنيئاً لنا بكم فأنتم الذخر والفخر، أنتم الفكر وأنتم النقطة آخر السطر، فلا قول بعدكم ولا مقال ولا جواب ولا سؤال، حين تكون دمعة العين في محجر طالما أغدق النظر في مهجة القلب، وقال اذهب فالله معك والنصر قريب.. في العيد مهج تتكسر دموعها عند الوجنات الصافيات، وتتقاطر أنهاراً تغسل قلوبنا تطهرنا، وتعيد صياغتنا، تشكلنا نحن الذين بتنا نشم في رائحة التراب، دماً كالمسك، وعرقاً يغسل عروق النخل ويروي أعشاب القلب.. في العيد الوجد وجدك يا شهيد، والعهد عهدك يا ابن الشهيد، ووعدنا أننا في ثنايا التاريخ كلمة، ففاصلة، فنقطة، وبوح لا ينتهي.