كان الأديب العالمي (الكولومبي، الأميركي اللاتيني)، الحائز على نوبل للآداب، جابرييل جارسيا ماركيز، يقول إنه كان دائما يعتبر نفسه صحفياً. كان يتباهى بذلك. وقد حفلت حياته بالكثير من الأعمال الصحفية، من كتب ومقابلات، حتى في الكثير من رواياته الأشهر لم يبتعد عن القيام بدور الصحفي الذي يكتب ويبلّغ عن الواقع. وربما لهذا- وليس فقط لأسلوبه الأدبي- كان لبعض أعماله مفعول السحر في تحريك الواقع، وتقويمه أحيانا. كثيرون من معجبيه العرب لم يسمعوا ربما عن إصداراته وكتبه «الصحفية»، ومنها: نصوص ساحلية؛ بين السياسيين؛ من أوروبا وأميركا؛ مجانًا؛ ملاحظات صحفية؛ هذا إضافة إلى تقارير وريبورتاج ومقالات منها: قصة بحّار غريق؛ عندما كان سعيدًا وغير مسجّل؛ شيلي والانقلاب على الغرباء والأجانب؛ وقائع وتقارير؛ السفر عبر البلدان الاشتراكية: 90 يوماً في الستار الحديدي. تتعدى المسألة الأسلوب والنتائج. مارس ماركيز الصحافة، كعمل وظيفي، لسنوات، بل ترك دراسته القانون في خمسينيات القرن الماضي ليصبح صحفياً، ويعمل في صحف محلية كولمبية راضيا بحياة متواضعة. حتى بعد أن فاز في 1982 بجائزة نوبل وقيمتها المعنوية والمادية، لم ينقطع ماركيز عن الصحافة، إنتاجاً واهتماماً بتطوير المهنة. فقد ساعد على إنشاء مؤسسة تحمل اسمه ومتخصصة بدعم وتشجيع الصحافة وأخلاقها في منطقة أميركيا الأيبرية، أو دول أمريكا الاتينية التي كانت سابقا مستعمرات إسبانية أو برتغالية. وفي العام الماضي اطلقت المؤسسة نفسها جائزة خاصة بتعزيز الجودة في الصحافة. قبل شهر واحد من وفاته أطلقت الجائزة دورتها الثانية. في خطاب له عام 1996 أمام «الجمعية العامة الثانية والخمسين لجمعية الصحافة الأميركية الداخلية»(IAPA) وصف ماركيز الصحافة بانها «أفضل عمل في العالم». ويبدو أن ماركيز لم يتخل يوما عن دوره كصحفي. خلافا لغيره من الأدباء والصحفيين، لم يعتبر الأدب هروبا من الواقع وطريقا لترميزه وتجنب مشاكله، بل كان مباشراً بطريقته المبتكرة التي أُسميت «الواقعية الساحرة». أكثر ما يعرف القراء والمعجبون، في العالم العربي والعالم، عن روايات هذا الأديب الذي رحل مؤخرا رواية «مائة عام من العزلة» التي نال عنها نوبل. مع هذه الرائعة كان ماركيز أكثر التصاقا بالواقع من أي أديب أو صحفي، أو مؤرخ. ومعها تحدث بعض النقاد عن كتابة التاريخ لا يقوم بها دائما المنتصرون «ولكن أولئك الذين يبقون ويستمرون بعدما تذهب الجيوش». وهكذا هزت رواية ماركيز امتيازات «امبراطورية الموز» في مستعمراتها التي بنتها في دول أميركا اللاتينية. أثبت ماركيز أن الكلمات يمكن أن تغير العالم، إذا ما توصلت إلى خلطة سحرية، من صدق المشاعر والتعبير عن تباينات ومفارقات الواقع والاستقصاء عن عمقه. أي الجمع بين فنون الأدب وشغف الصحافي بالحقيقة، والفطرة الإنسانية السوّية. وكم نحن، في العالم العربي، بأشد الحاجة لمثل هذه الظاهرة وهكذا خلطة. barragdr@hotmail.com