في يوم المصاب الجلل كانت المباغتة أليمة وسقيمة وكان النهار الإماراتي أشبه بقماشة رقعها القِدم بالعدمية.. في يوم المصاب بفقدان العزيز شمخ القائد بنخوة الرجال العظماء الذين يشدون الأزرق في ساعة الملمات ويرخون لجياد البوح جماحها ويمتطون صهوة الحزن بنفوس ضارعة مطمئنة صابرة مرابطة خاضعة لله وحده جل وعلا وما جاش في الروح من مشاعر الأسى لغياب الأعز على النفس، كان جديراً بأن يبرز معادن الرجال الاستثنائيين في ملازمتهم للحزن واكتفائهم بالنظرة.. نظرة المحدق في تفاصيل الغياب، وما أبدى وما أسدى وما كوّن وتكوّن في القلب من أسئلة الحب في ذلك اليوم، كان القائد يرسم ملحمة أسطورية في الصبر وينحت على صخرة الحياة أيقونة التجلد ونبراس الشجاعة والمثل العليا التي تحلى بها كزعيم ملأت عينيه خيوط الشمس منسجمة مع بريق النظرة الثاقبة.. هذا هو الموت امتحاننا جميعاً ولكن النادرين هم الذين يأخذون من حبر الحزن الأسود حروفاً جديدة تكمل عبارة ملاحمهم التاريخية مؤمنين بأن الموت حق وإن طوقت أحزانه القلب تبقى الروح مثل نورس يخفق إلى العليا كلما علت أمواج البحر الهائج. هذا هو القائد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في سلوكه دروس ومواعظ وفي وقفته في الملمات عِبر وتعابير تفصح عن لجة البحر الذي لا ينضب ومهجة النجمة التي لا تغيبها الغيوم ولا تمنع بريقها الهموم.. هذا هو القائد يوم الفقدان الكبير بفقدان العزيز راشد بن محمد، كان الرجل يحاذي رياح الحزن بصمود الجبال التي لا تلين لريح ولا تستكين لتباريح وبإيمان الصابرين الملهمين نسق مشاعره كما هي النجوم في سماوات الله وأغدق على النفس تجلداً، وسار خلف الجنازة مزملاً بآيات الله وتعاليم نبيه الكريم خافقاً بخطوات ينبتها الإيمان ويرسي وقفاتها الاحتساب بأمر الله. هذا هو محمد بن راشد صانع الحب وصائغ السعادة وناقش حروف الأمنيات الكبيرة في قلوبنا، نعلم علم اليقين أنه الأكبر من الحزن والأعظم من الأسى لأنه العالِم الذي علّم كيف يخط القلم مبادئ السعادة في القلوب وكيف تسير الركاب فوق العقبات والنكبات وكيف تشق السفائن عباب البحار في ساعة سمو الأهداف ورفعة القيم.. نعلم أن صاحب القلب الكبير تصغر أمامه الأحزان رغم عظمها وتنيخ له عظائم الأمور.. رحم الله فقيد الوطن الشيخ راشد بن محمد بن راشد وألهم الإمارات حكومة وشعباً الصبر والسلوان.