أكثر الإسرائيليين راحة، هو الرئيس الإسرائيلي، حتى إننا ننسى اسمه أحياناً، رغم الزخم الإخباري الوارد من فلسطين وإسرائيل، وبشكل يومي، من يتذكر حاييم وإيزمن، يتسحاق بن تسفي، زلمان شزار، إفرايم كتسير، يتسحاق نافون، حاييم هرتسوغ، وغيرهم، وحده رئيس الوزراء الإسرائيلي، طباخ السم، هو ضمن دائرة الضوء الإعلامي، والتناول الخبري، والمجاهرة بالعداء، على المستوى الشعبي، ونكاد نحصر المؤسسة الإسرائيلية في شخص رئيس الوزراء، حتى إذا ما اختفى من المشهد السياسي، ننساه، وكأنه لم يرتكب أي جرم، ولم يقم بأي مذبحة، ولم يساهم في زيادة التوسع الاستيطاني، ولم يقمع أي تظاهرة فلسطينية تطالب بحق العيش بكرامة وأمان في وطنها. لم نعد نتذكر جولدمائير، ولا بيغن، ولا شامير، أو باراك، كل أولئك كانوا في يوم من الأيام ضمن المفردة اليومية، بل ضمن أحلام اليقظة العربية، وحده شارون بقي في الصدارة، ويختصر أسماء نظرائه الإسرائيليين، وجرائمهم، ومجازرهم التي لا تنتهي. ياسر عرفات، تعامل مع الكل، واستطاع بسياسة الكر والفر، أن يساهم في التخلص منهم الواحد بعد الآخر، ظل شارون وحده يحاصر عرفات، حاصره في بيروت في الثمانين، وحاصره في أراضيه الفلسطينية قبل وفاته، حتى ابن شارون، سر أبيه، وشبيهه الذي ظلم، والذي يعتبر مساعدا لشارون، ومقربا من عرفات، لم يستطع إذابة الجليد بين العدوين الحميمين اللدودين. شارون ولد عام 1928 في مستوطنة كفار إملال، وعندما بلغ الرابعة عشرة، انضم إلى منظمة الهاغاناه الإجرامية، وفي الخامسة والعشرين، أسس الوحدة الانتقامية المعروفة باسم “الوحدة 101” التي ارتكبت المذابح في غزة والضفة الغربية، ثم تولى قيادة فرقة المظليين، وبعدها قيادة جيشي الجبهتين الشمالية والجنوبية، ترك الجيش عام 1972 ودخل السياسة عام 1973، كان من المساهمين الرئيسيين في توحيد اليمين الإسرائيلي المتطرف تحت مسمى الليكود، كان وزيرا للزراعة، فاقتطع الأراضي الفلسطينية المزروعة، وقلع أشجارها المثمرة، فأعيد توزيره ليكون هذه المرة وزيرا للدفاع فاجتاح لبنان، وارتكب مذبحة صبرا وشاتيلا! أتخيل أم شارون، فلا أستطيع أن أرسم لها صورة، غير صورة من ذاكرة الحكاية الشعبية لتلك المرأة الماشطة، أم عقصين رماديين متدليين على الصدر الأعجف، صانعة الدسائس، عاجنة المكر والخديعة، طاحنة الحب والنوى، نابشة ما تحت الرماد من جمر، زاعقة بنذير الشؤم أو الحرب، قبل ثماني سنوات ذاق طبّاخ السم من الويل الذي كان يريه للناس، وظل طريح الفراش لا يترائ له إلا ذكرى لأشباح من رماد، يجرون أصواتهم المرعبة في عتمة النهايات، وذابت تلك الجثة المتهدلقة حتى غدت أقرب للمومياء، لا يكاد أعز أصدقائه يعرفه ويميزه، وهكذا.. قضى السنوات الثمان الأخيرة من حياته التي كانت في جلها جحيم يرسله على الآخرين، وأكثرهم أبرياء!. amood8@yahoo.com