مُنذ فجر التاريخ، ومياه الخليج صفحات ملوَّنة بحبر التواصل ما بين العالمين الشرق والغرب، وهو المِفْصل والمِغْزل، والمِنْهل هو النهر المالح والبحر العذب، هو القطب والسهب وملاذ النجب على أمواجه البيض سارت سفن الحياة، تخب وتجب، وتدب، وتهب، وتكسب مواقيتها باعتلاء سلالم البياض الناهض من زرقة الأعماق الثرية. الخليج، دارت في أحشائه خلايا الحب متصلة مع نوايا الناس الأوفياء، متأصلة بوجدان من نسجوا على سطح الخليج حصائر التأمل والتفيؤ عند مساءات الانتظار لعشّاق غيَّبهم السفر البعيد .. الخليج قنديل أضاء للآخرين شرقاً وغرباً طرق الحل والترحال، ومن أراجيز ابن ماجد المجيد، قرأت سفن البحث عن موانئ تضاريس الأمكنة، وعرفت الشاي السيلاني وقهوة اليمن، وعنب الشام .. الخليج، هذا الوريد العتيد الساهر على السقيا واللقيا، المسافر في عروق الصيادين والغواصين، والمسافرين، عبر أشرعة الاكتشاف، الخليج على ضفتيه سكنت العروبة مجلّلة بأحلام الناس النبلاء، معبّقة بأنفاس الرجال الذين بخيط الصيد وسفن الغوص رسخوا قرار البقاء وأعطوا العالم ملحمة جلجامش مبللة بريق عشّاق الحياة، طلاب البحث عن نافذة التواصل. الخليج .. منطقة ما بين ضفتين، مسافة ما بين حاجبين، ومحور وجوهر، وإِسْوَر وطوق وحدق وأفق، ارتفع من خلاله الموال، وعلا النشيد، «سيابيا» عربياً «يا خليج».. الخليج، جواد العروبة، القابض على جمرة اللهفة، المنهمر وجداً إنسانياً، المغامر في دماء النجباء، الذاهب في عيون النساء شغفاً، ولهفاً، وتلفاً، وكلفاً، في حضرة الشوق، وغياب الأحبَّة. الخليج .. من شهامة الماء، وعذوبة الدماء، من وسامة التضاريس وخصوبة الأحباء، شذَّب أشجار الحياة، وهذّب المعنى ليصبح الوصول شرقاً وغرباً كالمسافة ما بين الشفتين، كالبُعد ما بين الرئتين .. الخليج، وضع القوانين الأولى لأحلام الوصول إلى حضارات ومنارات، لأنه الشعلة التي أضاءت، حدقات العالم وكحلت الرموش بأثمد الفرح .. الخليج البوصلة والقُبلة والقِبلة، وفضيلة المسافرين المؤزَّرين بأثقال وأحمال، الخيالات الواسعة، المجلَّلين بمشاعر تفوق أحداق الفلسفة الذاهبين نحو غايات ورايات، والساريات تجري مجرى الدم في عروق السماء، مضيئة، فضاءات القلوب وتضاريس الدروب. الخليج .. وحده الذي حفظ أراجيز الموج رغم الحملات والصولات والجولات، رغم الفوهات التي ملأت الصدور دخاناً حتى ضاقت الأرض بما رحبت .. الخليج يبقى دوماً الذراع واليراع والشعاع، والمدى والهوى، ونبرة العاشقين حين تطفو القصيدة تغني للحياة. Uae88999@gmail.com