لا يحتاس المرء، مثلما يحتاس مع الأكل الياباني، خاصة أنك لا تعرف أنه «نيئ أو ناضي»، فأنا والمطعم الياباني مثل «اليني والعطبة» أحترم أكله الغني بفيتامينات العالم، ولكنني من بعيد لبعيد، والذي غالباً ما يشبه أكل المستشفيات، الخالي من المشهيات، يمكن أن يغذي العضلات، ويمكن أن يغطي نقص الكالسيوم، لكنك تشعر أنه طعام يعده المشرف الغذائي، لا طباخ، هذا الأمر يجعلني أعاف المطاعم اليابانية، إضافة إلى جانب الصرامة التي يجب أن تتحلى بها أثناء دخولك إليها، وأولها أن تفسخ نعالك، وكأنك داخل مسجد أو معبد، ثم المقاعد الخشبية «العصّة» غير المريحة مطلقاً، وجلسة التربع أو القرفصاء التي تزيد من ألم المفاصل، وأخطرها اسطوانات الغاز التي تتفاجأ بها بين رجليك تحت الطاولة الكبيرة، خاصة إن كنت من النوع الموسوس مثلي، وتتطير من الغاز، وتكره اسطواناته المملة بألوانها السمجة، والتي هي في نظرك مشروع تفجير. ومما يباعد بيني وبينها الأكل بالعصي التي تخشى دائماً أن «توغف» عينك أو تعض عليها بالنواجذ أو تطحنها أسنانك، ثم أسعار الأكل، فالعادة الفاتورة تكون مسطرة ومكتوبة ومطبوعة إلى ذيلها، والمجموع الأخير يشير إلى رقم مكون من أربع خانات، وكلها لأشياء يفترض أنك أكلتها، وتمتعت بها، لكنك في حقيقة الأمر لا تعرفها، ولا يمكن أن تتعرف عليها، وكلها ما لها «خانة» وحقيقة لا تسمن، ولا تغني من جوع، والكثير ممن «يتزعمون» الأكل جبراً وتكلفاً لا يعرفون من أسماء المطبخ الياباني غير الـ«سوشي» وغير لحم العجل الرضيع المعلق من أطرافه، والذي يغر مع الحليب شعيراً مخمراً، ويمنع من الحركة لكي لا يربي عضلاً، ويصبح لحمه طرياً تكفيه لفحة نار. أجمل ما في الأكل الياباني طريقته الاستعراضية، ولعب الأكروبات، فالمشهدية والفرجة، أكثر من الأكل، ومتعة الشبع، مع الطباخ السمين الذي يرمي البيضة والحجر، فتسقط البيضة على حد السكين التي في يده، فتنشطر نصفين، فيسيل الزلال والمح في الكأس، وتسقط القشرة المنقسمة إلى اثنتين خارجه، ثم يسقط الحجر بعد مدة فيغطي الكأس، وشيء مثل هذا القبيل. الحرج كل الحرج أن تسأل مضيفيك ما هو المطعم الذي يفضلونه؟ ويكون الجواب من دون تردد، مطعماً يابانياً بالطبع، فيمتعض وجهك، وتتقلص معدتك، ولا تقدر أن تتعلث بأعذار واهية، مثل عندي حساسية من الأكل الياباني، لأنه أكل كله غذاء صحي ومحسوب، ومنزوع الدسم، فتضطر أن ترتاد الانترنت للبحث والتعقب، ومحاولة جمع الحطب من كل مكان لكي تورى النار، ولا تصبح جاهلاً بالتكنولوجيا اليابانية، لكن ما تزودت به من معلومات، هي خبرة من دون خبزة، فتبات سهراناً، وجلاً، تقرأ قائمة الطعام، فتكاد لا تعرف شرابهم من أكلهم، وحين تجلسون في المطعم الياباني، تكتشف أنك الضيف، والضيوف هم رب المنزل! amood8@yahoo.com