أتساءل كيف سيكون شكل الوطن العربي- إن بقي يحمل هذا الاسم - بعد عشرين عاماً من الآن؟ لنتذكر فقط كيف كان الحال قبل عشرين عاماً من اليوم؟ أين كنا وكيف كنا عام 1995؟ لسنا وحدنا كعرب من تغيرت أحواله، العالم كله تغير، لأن التغيير هو العامل الأكثر ثباتاً في هذا الكون، قبل عشرين عاماً كنا 22 دولة عربية فقط مستقرة - ظاهرياً- لم ننكسر بعد، ولم نتجزأ، ولم نسمع بالفوضى الخلاقة، ولا الربيع العربي، كنا نتابع في نشرات أخبارنا أحوال المناطق البعيدة، أخبار التوتر والحروب وحركات التمرد، وبين فترة وأخرى يلعب الزمن لعبته عندنا، فيعيد ترتيب الأحداث هنا وهناك، مصر يبعثر زمنها المتطرفون، لكنها كانت قبلة السياحة، لبنان كان قد هدأ بشكل مفاجئ بعد اتفاق الطائف، وبدأ العرب يحجون إليه صيفاً، سوريا تغلغلت أمنياً فيه، العراق ارتكب حماقته ضد الكويت، الجزائر يعبر نفق القتل الجماعي، والخليج يعيش تألق النمو، كان واضحاً أن الجميع يغادرون تاريخاً قديماً ليفتحوا باباً لن يغلق بسهولة، أو سيغلق على بحار من الدماء والفوضى! منذ عشرين عاماً، كنت لم أبدأ الكتابة بعد، أرقب الحياة حولي، كيف تتشابك خيوطها، وكيف يفشل المحيطون بي في كل الحوارات التي يدخلونها حين يكون الرأي على المحك، لم تكن تنجح إلا نادراً تلك النقاشات التي تحتاج مرونة وتقبلاً للاختلاف، وهذا بالضبط ما جعلني اكتب! كأفراد ناضجين ومعلمين يفترض بنا أن ننقل لطلابنا وطالباتنا قيماً وتوجهات قبل أن نلقنهم معلومات محشورة في كل الكتب، لم ننجح كثيراً في هذه المهمة، كنا نغضب كثيراً حين يتعلق الأمر بطالبة أو طالب أفصح عن وجهة نظر مختلفة، وكنا كعادة المعلمين نطرده من غرفة الدرس إذا أصر على وجهة نظره، كنا نصنف سلوكه ذاك في خانة «قلة الأدب» دون أن ندري كيف يكون الأدب في حال اختلاف الرأي بين المعلم والطالب! منذ عشرين عاماً، لم نكن نتصور، ونحن ننتزع مجلة فنية أو مجلة «خليعة»، ربما من حقيبة طالبة مراهقة أو طالب بالكاد خط شاربه، أحضرها من سفرته الصيفية إلى لندن في غفلة من العائلة، إن طلاباً في الابتدائية سيأتون بعد هذا الموقف وبعد عشرين عاماً، وفي يدهم هواتف سيطلق عليها «ذكية» ليقلبوا مواقع أكثر خلاعة مما لم يخطر ببالنا، بينما أمهاتهم وآباؤهم يتبادلون التحية بالواتس آب، ولا يعلمون عن محتوى هواتف أولادهم شيئاً من باب التربية الحديثة التي تفرض عليهم احترام خصوصية «العيال»، وسيزايدون هم على الأمر من باب التخلي عن مسؤولياتهم جهلاً وطلباً لراحة البال لا أكثر ! منذ عشرين عاماً، كان الآباء لا زالوا يمارسون دورهم النبيل في أسرهم وبيوتهم كآباء ومربين وأصحاب مسؤولية، وكانت الأمهات كذلك، الخدم لم يزحفوا على الأسرة كالنمل، ولم يقرضوا دورها، كان الجميع يتناولون وجباتهم معاً كل يوم، ويقضون الإجازات والأعياد، اليوم كل فرد يفر من أسرته إلى جهة بعيدة من باب حرية الخيارات!