تحل اليوم ذكرى مولد سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه صلوات ربي وتسليمه. مناسبة جليلة عظيمة نستلهم منها الكثير من المعاني ونستحضر معها العديد من الدروس والعبر، ونتوقف جلياً وملياً أمام قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، تلك الأخلاق السامية الرفيعة النبيلة، ولعل في مقدمة تلك الأخلاق، أدب الاختلاف واحترام الآخر وحسن التعايش معه وصون حياته. كما أكدها نبينا الكريم في خطبة الوداع، بتشديده حرمة دم المسلم على المسلم، وصون عرضه وماله واحترام عهوده ومواثيقه. تبرز كل تلك المفاهيم والقيم العظيمة، مقابل الصورة الحالية لما وصل إليه حال المسلمين بسبب تنطعات بعض المحسوبين عليه، والمتاجرين به، ممن ألحقوا به أبلغ تشويه وأشد إساءة. ونحن نشاهد ما يجري من مظاهر الدمار وسفك الدماء التي تسيل في مناطق عدة من بلاد المسلمين بصورة مرعبة وتفوق كل تصور، بفعل الذين تجرأوا على الفتوى، وجعلوا من الدين وسيلة للاتجار وتصفية الحسابات، وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، واستباحوا الممتلكات. لقد استقرت تلك المشاهد من أفعال الغلو والتطرف للمحسوبين على دين الحق في مخيلة أبنائنا الذين نقف عاجزين أمامهم، وهم يشاهدون شلالات الدم الذي يجري على يد «الدواعش» و«خوارج العصر»، كما أظهر التحقيق الذي انفردت بنشره صحيفتنا «الاتحاد» الثلاثاء الماضي. وهو أمر جدير بالتأمل فيه، وتعزيز التنشئة السليمة وتكريس لغة الحوار مع الأبناء للتصدي لهذه الآفة الخطيرة التي تسللت إلى مجتمعاتنا وعقول بعض الأغرار فيها وتلاعبت بهم، وجعلتهم وقوداً في حروبهم العبثية. أصوات الغلو والتشدد تنكر علينا حتى الاحتفاء بمولد سيد الخلق الذي بعثه الله مبشراً قبل أن يكون نذيراً، لأنها مناسبة تُعرّي سوء أفعالهم وما شوهوا من قيم ومعان جليلة لدين الحق، وما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. الظرف دقيق يتطلب من الجميع اليقظة لتحصين شبابنا وأطفالنا من الغلو والتطرف بتعزيز دور الأسرة والمدرسة والمسجد، فالإرهابيون يستهدفون ديننا الحنيف ومبادئه السمحاء وقيم الوسطية والاعتدال التي جاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والحضارة الإنسانية قاطبة.