نفهم ونتفهم ونستوعب جيداً سبب الانزعاج الإيراني مما ينجزه التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، فإيران تشعر بالصدمة، لأنها لم تكن تتصور ما يجري الآن - كانت طهران تظن أنها قادرة من دون أي حراك أو مقاومة من أحد على الاستمرار بالعبث في المنطقة والهيمنة على دولها وإدارة الأمور، لكن المفاجأة المدوية التي أحدثتها عاصفة الحزم، وإعادة الأمل في اليمن أفقدت النظام في إيران توازنه النفسي والدبلوماسي والإعلامي وحتى العسكري، وبدأت باللعب على المكشوف، وإظهار أطماعها ومخططاتها لإدارة الفتنة الطائفية في العلن.. وراحت إيران تصرخ تحت الضربات الموجعة للتحالف في اليمن، وتصب جام غضبها على التحالف العربي، والمملكة العربية السعودية والإمارات. النظام في إيران نجح لفترات طويلة في المنطقة، لأنه كان يلعب على الخلافات العربية والتشرذم العربي، لذلك لم يسعده أبداً أن يولد تحالف عربي قوي يتوجه إلى اليمن ليقلم الأظافر والمخالب الإقليمية والخارجية فيه، ولعل إيران أدركت ما يزعجها أكثر، وهو أن هذا التحالف العربي ولد ليبقى، وهو لن ينتهي بالانتصار في اليمن، بل وربما تتكرر التجربة العربية المنتصرة في مناطق أخرى تعبث فيها الأصابع الفارسية، ومن يواليها في سوريا ولبنان والعراق أيضاً. واقع الأمور الذي نراه بشكل واضح يجعلنا نتوقع أن تعيد طهران النظر في سياساتها التوسعية التي انتهجتها في السنوات الماضية في المنطقة العربية، وأن تحاول أن تُخرج نفسها من المستنقع الذي ألقت بنفسها فيه، بل ربما يشعر النظام الإيراني بأنه سقط في أكثر من مستنقع في وقت واحد، بعد أن كان يتوهم أنه على قمم النصر والانتصار في المنطقة! وكما قال معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في تغريداته بالأمس، إن «السياسة الإيرانية التي اعتمدت على التمدد الطائفي في العالم العربي أصبحت عبئاً على طهران، والفشل الإيراني في الحسم بعد التمدد أصبح واضحاً، كما أن السياسة الخارجية المعتمدة على الجناح الطائفي والآخر القومي الفارسي، أدت إلى عداوة الشعوب العربية وكرهها، والحكمة مطلوبة». اليوم تواجه طهران خسائر حقيقية على جميع المستويات، ولن يسعفها خطابها التحريضي والتضليلي على النجاة، فعبث النظام الإيراني في المنطقة أصبح مكشوفاً للعالم، وأصبح المواطن العربي يلقي عليه اللوم في الفوضى التي تعيش فيها كثير من دول المنطقة، وعندما يرى المواطن العربي لاجئاً سورياً يعاني على حدود أوروبا، أو طفلاً غرق على شواطئ اللجوء لا يستطيع أن يتجاهل اليد الإيرانية التي كانت سبباً في مأساة الشعب السوري الذي قُتّل وشُرّد بمئات الآلاف، بل بالملايين. قد يعرف النظام الإيراني، وقد لا يعرف أنه بما قام به من تدخلات ومحاولات عبث حقيقية في دول المنطقة أنه خلق روحاً جديدة في أبنائها، وجعلهم يتنبهون للأخطار التي تحدق بهم.. والجميع مؤمن بأن الشعب اليمني منتصر، ولا شك لدينا في ذلك.. ولكن ظروف الجغرافيا والتاريخ ومعطيات العقل والمنطق والأخلاق العربية الأصيلة تحتم علينا ولمرة أخرى أن نقول لطهران، إن المجال لا يزال مفتوحاً للكف عن السياسات التوسعية وإعادة الأمور إلى نصابها، فهي لن تستطيع أن تغلب هذا الوطن العربي الكبير، لذا فلتجرب أن تتعامل مع جيرانها العرب على أساس حسن الجوار والاحترام المتبادل، وتتوقف عن التدخل في شؤونها الداخلية، وعن دعم المجموعات المخربة فيها، وسترى كيف سيكون الحال أفضل وفي مصلحة الجميع. *المفاجأة المدوية التي أحدثتها عاصفة الحزم وإعادة الأمل في اليمن أفقدت النظام في إيران توازنه *نقول لطهران إن المجال لا يزال مفتوحاًً للكف عن السياسات التوسعية وإعادة الأمور إلى نصابها