ماذا نقول، وأي حزن سيجري بالدموع كالطوفان ليغرق من تطاول على قدرة الرحمن حين وهب الحياة للبشر وللكائنات. وكيف أبكي ونهر الحزن لا يكف عن الجريان على من شهدوا على وطن تمجد بالعلو شموخه واستشهدوا ليضيئوا درب الوطن الذي تراءى للشهيد سموا ورفعة وحضن سلام ومحبة إذا نطق الزمان. لكن يا ويح أم وأب وأخ وأخت وابن وبنت حين بعد الفراق والخوف والقلق يصير شوق اللقاء كفنا على الأبدان. ويا ويل لمن لا يرى في نعمة الوجود والحياة سوى رصاصة يلهو بها، لتخترق الأجساد والجدران، دون مخافة الله، كأنما الموت شهية القاتل والشهيد هديته إلى الأهل والأوطان!! فتيانا مضوا، لم يكملوا عدّ السنين على خطواتهم، ولم يحتفوا بالحلم في مسرة الحياة. فإذا كان موتهم ركوعا لواجب، فقد صاروا شهداء ودربهم إلى الجنان مشرعة، لكن حزننا عليهم يمض قلوبنا، كأنه الموت الذي ينتظر الأوان. *** من أين لنا قوت أحلامنا إذا كانت سيول الدم تغرق قمح الحياة؟ ربما يعتقد أولئك الوحوش أننا سنهتدي بهم. ربما مادت بهم الطرقاتُ والضلال. ربما صاروا مثل يقطينةٍ تُحشى بما تبتغيه الموائدُ وما يشتهيه المتآمرون. ربما صاروا طبولا ترجع الطرق على أجسادنا، فيما تهتف مارشاتهم بانتصاراتهم علينا! *** دمٌ، دمٌ، دمْ. أطفال قتلى، فتيان قتلى، هدم وجنائز. يا لشهوة الدم وبراكين الدمار! فصول الدم تكتب مذكراتها اليومية، مثل حدأة لا تعرف أبعد من منقارها ومخالبها، ولا ترى نطفة تنتصب خفية على وعد الحياة. يا لمصاصي الدماء الذين يهرولون بنا نحو الفناء. لمن يغني البحر ويستيقظ الضوء. لمن هسيس الرياح ونهنهات المطر، لمن خصوبة الأرحام وخصب الحقول، لمن شوق الحياة المكتنز البهاء؟ ومن يعرف الآن عدد الأمهات اللواتي يتحسسن الدم فوق الجسد الغض وتطوح بهن الفجيعة في الانشطار؟ أيها الشهداء يا خفق قلوبنا في الحياة وفي الممات. امضوا إلى رحاب جنة الخلد. وادعوا لنا وللوطن الغالي وحكامه وحراسه أن يحفظهم بمشيئته الرحمن ليكونوا ويبقوا منارة مضيئة على مر الزمان للمحبة والسلام وجوهرة خالدة للمجد!.