في السادس عشر من مارس من هذا العام، ذهبت مع الأصدقاء للاحتفال بعيد ميلاد إدوار الخراط، بعد أن بلغ الثامنة والثمانين، وأنا أعرف إدوار الخراط منذ سنوات طويلة، وتربطني به صداقة إعجاب مني واحترام منه، وقد كتبت عنه أكثر من مرة، ولكني لم أفِهِ حقه بسبب غزارة إنتاجه، لكني عالجت ذلك بأن كلفت بعض تلامذتي بكتابة أطروحات ماجستير ودكتوراه عن أدبه. وأعلم بالطبع أن أدبه صعب على القارئ الذي ليست عنده خلفية كافية بمجالات الحداثة وإبداعاتها ولغتها الخاصة، ولذلك ليس إدوار الخراط من كتاب القصة ذوي الجماهير الغفيرة من القراء كما هو الحال مع نجيب محفوظ ويوسف إدريس، فإصرار الخراط على أن يكون حداثياً جعله كاتباً هامشياً بالقياس إلى أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس، ولكن هذا الكاتب الهامشي استطاع بإصراره أن يبحر في آفاق الحداثة في العالم المعاصر، وأن يتسع بدوائر قرائه والمعجبين به. ولذلك ظل يمثل التمرد على الموضوعات الأدبية التقليدية. وقد تبعه المبدعون الشباب الذين اشتعلوا بنيران التمرد بسبب هزيمة 1967، وبقى جيل السبعينيات أقرب إلى الخراط من غيره. ولقد انطوى هذا الجيل بالفعل تحت عباءة الخراط، وبقدر ما كتب إدوار الخراط عشرات من المجموعات القصصية كتب أيضاً عدداً كبيراً من الروايات، لعل أهمها في تقديري رواية «رامة والتنين» بأجزائها المختلفة. وإذا أردت صفة أخرى غير الحداثة فإني أقول إنه الكاتب العربي الوحيد الذي فتح مجال القص للمعتقدات والأساطير المسيحية دون حرج أو خوف، وذلك واضح من خلال عنوان «رامة والتنين» نفسه، فالتنين يذكرنا بالقديس مار جرجس الذي حارب التنين وانتصر عليه بوصفه رمزًا لشرور العالم. وخلاصة الأمر أن الدور الذي أداه إدوار الخراط في مجال الإبداع القصصي المعاصر يوازي الدور الذي أداه، ولا يزال يؤديه، أدونيس في مجال الإبداع الشعري المعاصر. وقد تعودت أن أداعب إدوار الخراط بوصفي له بأنه أبو الحداثة المصرية التي ازدهرت في السبعينيات، وأصبح رموزها أعلاما في الحياة الشعرية العربية، ولذلك قبلت وجنتيه يوم الاحتفال بعيد ميلاده، وتمنيت له الصحة والسعادة؛ إذ إنه يكبرني بثمانية عشر عاماً، مدركاً في الوقت ذاته أنني لم أعد بالشاب الذي كنت عليه، عندما عرفت إدوار الخراط، فقد كبرت بدوري ووصلت إلى السبعين من عمري.