اللحظة التي تقرر الروح فيها أن تفارقنا، تتشكل فيها أكثر العلاقات خصوصية بين الروح والجسد، لحظة لن يعرفها أحد، مهما كان قريباً، ومهما كان حاوياً أو مسترقاً للسمع. وفي كل الثقافات تُعد الروح أغلى ما لدى الإنسان، ولا تهون هذه الروح أبداً لأي شيء، إلا لأعزِّ ما يسكن قلوبنا وما نحبُّ بصدق ولهذا الحب نُقدم أكثر الأشياء معزَّة ورفعة، أكثر ما نملك معنوياً ومادياً، فداءً لهذا الحب. فما هو هذا الحب الذي يستحق منا كل ذلك؟ في الوقت الذي تحب فيه إنساناً قريباً منك، وتكون منتشياً بهذا الحب الذي يزهر أيامك ويجعل صباحك مشرقاً وليلك ساحراً بمعاني الجمال، يمكن أن تهب الرياح عكس كل هذا الحب وتكنسه إلى المغيب ولا يعود كما كان، مهما بذلت من جهد، واستعطاف كي تعيده إلى معانيه الأولى، انه يختفي، وبعد زمن تضع خطوة أخرى في طريق الحياة، تُغير الدرب وتسير من جديد، وربما تحب من جديد. في الوقت الذي تكون فيه متعلقاً بالأسرة، الزوجة، الأبناء، الأب والأم، معهم حياتك هنية وسعيدة، لا يعكر صفوها شيء، يتغير الزمن وتتوالى السنون وينحسر هذا الارتباط بحكم عوامل الزمن وشروط الحياة. في الوقت الذي تكون فيه أموالك بين يديك، تغرف منها ما تشاء وتبعثر وتبني وتهدم، ترعى وتنمي ثروة تتوالد كالقطط، يحدث أن تنحسر كل هذه الثروة ولا يبقى منها شيء، تجور عليك الأيام حتى أن تُغادر من باب الحياة مهزوماً ومنكسراً. ومن كل ذلك، وحده الوطن يأتي ليُشكل الحب الأعلى والأغلى، هو الباقي وهو الأعز الذي لا يزول، هو مجدك ومجد أجدادك وأبنائك، هو ماضيك ومستقبلك، هو الحب الذي تتعلمه بلا مدارس ولا منازل، هو الحب الذي ترضعه وأنت في المهد الأول، وانت بين أحضان أمك، ولهذا الحب، لأجل هذا الحب تدفع حياتك كلها فداءً له، وتحت هذا المعنى بالتحديد، يستشهد الجنود، لأجل ذلك يعودون في أكفان الشرف، لأجل ذلك يتركون الأسرة والأبناء، الأمهات والآباء، من أجلِ شرف وعزة الوطن، هذا ما آمنوا به، حيث بالفداء يصونون الحاضر والمستقبل. ولذلك منا إلى كوكبة شهداء الإمارات انحناءة الإجلال والتعظيم، لهم المجد على سيرة الأرض العطرة، لهم المجد في نشيد حب الوطن الطويل. سعد جمعة saad.alhabshi@alittihad.ae