انتهت أيام العزاء الثلاثة، لكن لم يتوقف الزائرون لخيام عزاء الشهداء، ولا تزال تلك الخيام باقية، وربما يتمنى البعض أن تبقى ولا تُزال، وذلك ليس لأنها خيام عزاء كما يعتقد البعض، ولكن لأن من دخل تلك الخيام والتقى أهالي الشهداء شعر بالفخر والعزة وبالكبرياء، تلك المشاعر الصادقة التي تملأ تلك الخيام، فتجعل من المكان ملتقى وطنياً لتأكيد التلاحم والصمود والولاء والانتماء لا يريد أن يغادره من دخله. وهذا كبرياء المواطن الإماراتي والجندي الإماراتي، ومن تواصل مع أهالي الشهداء وقدم العزاء لذويهم في خيام العزاء التي انتشرت في الدولة شعر بأنه ليس في خيمة عزاء، وإنما في خيمة عزّ وفخر وإباء، نفوس وأرواح عالية، آباء عرفوا أن التاريخ والأجيال يذكرون ما قدمه أولئك الأبطال من تضحيات في سبيل خير المنطقة وسالت دماؤهم كي نعيش في خير وأمن وأمان واستقرار. الشدائد تكشف معادن الرجال وتكشف حقيقة الشعوب، وهذه المحنة بكل ما فيها من ألم كشفت لنا معدن هذا الشعب الأصيل، رجاله ونساءه، من هم في ميدان المعركة ومن هم في ميدان العمل، كشفت أنهم في وقت المحن صف واحد وقلب واحد وكبرياء وصمود بلا حدود.. وهذا ما جعل سمو الشيخ هزاع بن زايد مستشار الأمن الوطني يؤدي التحية العسكرية خلال زيارته الجرحى، فقال سموه: «لقد ذهبنا لكي نزور، رفقة ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أولئك الجرحى في مستشفى زايد العسكري، ولكي نشد من أزر هؤلاء المقاتلين الأبطال ونواسيهم بمن فقدوهم من رفاقهم في ساحة الشرف، فوجدناهم هم من يشدون من أزرنا ومن عزيمتنا، فكان لابد من هذه التحية العفوية، «تعظيم سلام»، ليس لهم فحسب، ولكن أيضاً للبطون التي حملتهم والسواعد التي ربّتهم». أدرك تماماً أن جنودنا المصابين في اليمن، والذين قالوا بالأمس إنهم يريدون العودة إلى أرض المعركة مع زملائهم، صادقون.. وسيعودون، لأنهم أبطال وبواسل، وقد كانت كلمات الجندي الذي احتضنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، مؤثرة بعد أن سمعناه يخاطب الشيخ قائلاً: إنني كنت أتمنى أن ألتقيك، وأنا لدي طلب واحد منك وهو شيء واحد فقط، أريد أن ترجعوني إلى زملائي.. هذا هو الطلب الوحيد للجندي الإماراتي المصاب وهو يلتقي قائده، يريد أن يرجع إلى أرض المعركة. أما المرأة الإماراتية فقد لخصت موقفها تلك الأم التي ظهرت في فيديو وهي تقول: إنها ليست حزينة لاستشهاد أبنائنا لأنهم جميعاً فداء للوطن والحق، ومن أجل حماية الأوطان، وأن ننتصر على العدو، وأضافت تلك الأم التي نفتخر بها جميعاً، أنها مستعدة لأن تذهب إلى أرض المعركة لتطبخ لجنودنا هناك. وكما أن تلك الكلمات تعكس شجاعة وبسالة وكبرياء الجندي الإماراتي الذي لا يقبل الهزيمة ولا يغادر أرض المعركة إلا منتصراً، فإنها في الوقت نفسه رد عملي على كل من يتساءل وماذا بعد سقوط هذا العدد من الشهداء؟ ويشكك في استكمال الإمارات ما بدأته، ويراهن على أنها ستغير حساباتها وأولوياتها.. وواضح أن من لديه أمثال هؤلاء الجنود، ومثل شعب الإمارات لا يمكن أن يكون له قرار غير المواصلة والاستمرار في ما بدأناه حتى يعود الحق لأصحابه وتعود الشرعية لأهلها ويعم الأمن والاستقرار المنطقة.