الغربية منطقة سكنت الوجدان منذ زمن طويل، القدامى كانوا يذكرونها بكل حب، يذكرون المطايا التي قطعت مسافات بعيدة، من ليوا عبر الرمل إلى سبخة مطي المرعبة، عندما كان الطريق والدروب تحتاج للعزم والصبر والجلد. هذا الماضي جعل الغربية وأهلها عنواناً للعزم والكرم والإيمان بالأرض والتمسك بها. قبل أعوام طويلة كنا نسعد عندما نذهب إلى هذه المنطقة لمتابعة المدارس والأنشطة التي يمارسها أولادنا الطلاب والطالبات. ولأن المدارس متناثرة، كان لا بد من قضاء أكثر من يومين أو ثلاثة حتى نتمّ العمل. ورغم العمل الطويل والمتشعب، كنا نسعد كثيراً لزيارة الغربية، وهي أيضاً بالمثل تسعد بأي زائر، وتفتح صدورها الواسعة مرحبة. هناك، يستقبلك مدير المنطقة التعليمية المربي الفاضل سالم الهاملي الذي قاد مسيرة التعليم في هذه المنطقة، ثم سلم الراية للشباب من بعده. اليوم، نهضت الغربية في شتى المجالات، مع تولي سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقة الغربية، الأب الحنون لأهل الغربية. وكم أشعر بالسعادة والفرح كلما قرأت عن تطور الغربية وصعودها. لقد أحببنا هذه المنطقة منذ زمن طويل، واليوم هي تتجاوز الكثير من المناطق في الصعود والعمران والبناء والبرامج والأنشطة النوعية، إنها عزيمة المحبين في هذه المنطقة العزيزة ورؤية قائد ومسؤول هذه المنطقة. حكايات جميلة حملناها عن هذه المنطقة. في أول زيارة لنا عن قطاع الأنشطة بوزارة التربية والتعليم، أصرت مديرة إحدى المدارس الإعدادية والثانوية المشتركة أن تكون المحطة الأخيرة من الزيارات في مدرستها بعد الجولة الصباحية، ولما انتهينا من العمل أقسمت أن يكون الغداء في مدرستها، وفوجئنا بالصواني قد مدت وتمددت عليها (الذبائح) من الخراف المشوية والمحشية، فضلاً عن أطباق فيها شتى أنواع الأطعمة والحلويات والفواكه وكأننا نحضر حفلة عرس، تعجبنا من هذه الحفاوة غير الطبيعية، ففي العادة لا يمكن أن يرحب أحد بمثل هذه الأجهزة التي تتابع العمل وتنقده أو تصححه أو تثني عليه.. لكنهم كانوا يروننا ضيوفاً لا أصحاب مهمة. أما الحكاية الأخرى، فهي عند زيارة معرض للفنون الجميلة وأعمال الطلاب والطالبات الفنية. جاء مدير المنطقة مع المدرسين والأهالي ورافق المدير رجل قديم من البدو، كبير في العمر، كان يتابع معنا مشاهدة أعمال الطلاب المعروضة على الجدران، فجأة توقف أمام عمل كاريكاتيري وقال بدهشة: (شو هذا.. هذي صورة جن)، وأردف: (حد يعلق صورة سكني)، ضحكنا جميعاً وتولى مدير المنطقة شرح العمل والصورة له. الغربية فضاء جميل من فضاءات الرمل والبحر والصحراء، تنهض الآن لأنها بنيت على الحب والجمال والعطاء من الأوائل والحاضرين، سلام أيتها الذاكرة الجميلة، سلام للغربية.