أصبحنا ندرك اليوم أن جنود الإمارات في اليمن لن يقبلوا أن يعودوا إلى أرض الوطن إلا منتصرين، ولن يرجعوا إلا بعد أن تعود الأمور إلى نصابها الصحيح ويرجع المعتدون الحوثيون والمنقلبون إلى جحورهم، أو يصبحوا في قبورهم، فأرض اليمن ستتحرر من المعتدين وستطهّر من الخونة والمخربين، وستقطع الأيدي الخارجية العابثة في اليمن السعيد. أما ما يحاول أن يروّجه البعض بأننا نخوض حرباً خارجية لسنا معنيين بها، فإن من يردد هذا الكلام لا يعرف الحقيقة ولا يقرأ المستقبل ، وهذا ما يجعله يقول ذلك، وربما يقول أكثر ويذهب إلى أبعد من ذلك.. والحقيقة أننا اليوم بعد كل تلك الأحداث التي مرت بالمنطقة منذ ما يسمى «الربيع العربي» رأينا كيف تساقطت دول عربية الواحدة تلو الأخرى، ورأينا كيف اندلعت الحروب الأهلية بين الشعب الواحد، ورأينا كيف انتشرت الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا فأحرقت الأخضر واليابس، وكان اليمن الهدف التالي للعبث في ما تبقى من المنطقة، وبالتالي السيطرة عليها والهيمنة على مقدراتها. ومن يراقب الأحداث يتذكر أن الوضع في اليمن منذ عام تقريباً أصبح صعباً ومقلقاً، لذا كان لابد من تحرك قوي لإيقاف الخطر الذي قد يهدد المنطقة، وفي الإمارات اعتدنا ألا ننتظر الأخطار حتى تأتينا، ولا ننتظر النار حتى تحرقنا، بل نذهب إليها لنطفئها قبل أن تصل إلينا، وهذه حكمة قيادتنا الرشيدة في الإمارات، فما يحدث في اليمن خطير ليس على اليمن وحده، وإنما على المملكة العربية السعودية، وعلى بقية دول الخليج، لذا كان لابد من تحرك سريع لإطفاء تلك النار قبل أن تتسع وتنتشر في المنطقة، فهبت عاصفة الحزم على الحوثي وعصابة صالح ومن يدعمهم وكانت مفاجئة وقوية زلزلتهم وبعثرت أوراقهم ووضعت حداً لأحلامهم فأصبحوا أمام واقعهم حائرين وهم يتكبدون الخسائر المتتالية بعد أن كانوا يحتلون، وبكل بساطة وسرعة، المدينة تلو الأخرى. ذلك الوضع وكل هذه الأحداث تجعل من المجتمع الإماراتي الواعي قادراً على استيعاب ذلك العدد من الشهداء الذين راحوا ضحية للغدر في مأرب، وقبل ذلك كان المجتمع قادراً على التعامل مع موكب الشهداء الذين كان يصل إلينا منهم واحد أو اثنان بين الفترة والأخرى، وهذا ما انعكس على طريقة تعامل المجتمع مع الحدث، فأصبح البيت الإماراتي متوحداً بشكل أكبر وتحولت خيام العزاء إلى خيام عزّ وافتخار يهنئ فيها المواطنون أسرة الشهيد بفوز أحد أبنائها بالشهادة ويرد ذوو الشهيد بأن ابنهم هو ابن لهذا الوطن ولقادته، ولن يبخلوا يوماً بأي من أبنائهم فداءً لهذا الوطن. شعب الإمارات يعرف تماماً أنها حرب العزّة والكرامة، وأنه كما ذاق النجاحات على مدى أربعة عقود من الزمان، وذاق الانتصارات على الحوثي الآن فإنه قد يذوق بعض المرارة، لكنه في جميع الأحوال مؤمن بهذا الهدف السامي، وبالتالي فإن التاريخ يقف معنا وإلى جانبنا وإن جنودنا هناك على الثغور يحمون ظهورنا ويدفعون أرواحهم ثمناً للحفاظ على أمن واستقرار هذه المنطقة ورفاهية شعوبها وهم منتصرون، ومن الواضح أن هذا ما لا يعجب الكثيرين.. روح وطنية وإنسانية عالية وروح جديدة في الإمارات تأخذنا إلى مستوى آخر بين شعوب العالم، وإلى مستوى مختلف من حب هذه الأرض والانتماء له، وإلى فهم جديد للتضحية من أجل مصالح الأمة وشعوبها، وإلى طريقة جديدة للتعامل مع الأحداث الكبرى، فبالرغم من العدد الكبير من الشهداء فإن الشارع الإماراتي لم يغير رأيه في مشاركة قواتنا في هذه الحرب، بل على العكس ازداد إصراراً على الاستمرار حتى النصر، وهذا بحد ذاته انتصار على كل مشكّك في ثبات شعب الإمارات على قيمه ومبادئه.