ما أصعب أن تكتب عن الموت وعن شهداء الوطن.. فما بالك لو كنت في بلاد غريبة لا تدري ماذا تفعل، ولا كيف تتلاحم مع تلك الحشود وتصطف مع تلك القلوب.. تتنقل بين نوافذ الإعلام والتواصل وتهرع إلى الهاتف كل لحظة تتصل بكل من تعرف وتدقق فيما وراء الصوت القادم من أرض الوطن.. ربما تخبرك الرياح بما تريد، ربما تشتم في الأصوات بعضاً من عطر الوطن وأريج دماء الشهداء الذكية. سافرت إلى ألمانيا منذ أيام في رحلة علاج لأمي، وللمرة الأولى أعلم أن هناك في الكون ما قد يشغلك عن الأم ويشغل الأم ذاتها.. إنه الوطن الذي فقد 45 شهيداً اغتالتهم يد الخسة والنذالة في اليمن، ممن يشاركون في عملية إعادة الأمل.. هكذا تتعامل تلك الشرذمة مع من يحاولون مد يد العون لليمن الذي كان سعيداً قبل أن يغتال هؤلاء المأجورون كل شيء.. الشجر والبشر والأمنيات. الحزن خارج حدود الوطن لا يحتمل فلا أحد يمسح دمعتك أو يربت على كتفيك.. لا أحد يتوحد معك سوى ذاتك التي تتحول وحدها في الغربة إلى شعب ووطن وشهداء. الأحزان خارج الوطن غربة في غربة وصقيع لا يحتمل وظلمة تمتد من النفس إلى الشوارع والحوائط والأفق.. لا يخففها سوى أن من رحلوا شهداء.. قطعوا تذكرة جماعية إلى الجنة.. هم كانوا في مهمة لاستعادة الأمل أنهاها أعداء الحياة وأعداء الأمل. ما أهون الكتابة والحروف أمام الروح والدم.. ما أهون الترحال والغربة أمام دماء هؤلاء الأبطال مصابيح الوطن الذين رحلوا ليخلدوا وليشعلوا قمة الوفاء فيهب الشعب كله راغباً في الذهاب إلى اليمن.. هذا ما تفعله الشهادة وحدها.. تحولنا جميعاً إلى راغبين في هذا الشرف وهذا الخلود لتبقى راية الحق.. راية الوطن. لا تجزعي يا الإمارات ولا تبكي.. الخطب جلل أدري والمصاب كبير، لكن الله أكبر والحق أكبر.. وإن رحل شهداء فكلنا شهداء.. اليمن لم تكن يوما أرضاً غريبة والموت في مأرب..«مأرب».. كل شبر في أوطان العرب منا وفينا.. هكذا تربينا وهكذا علمنا زايد الذي شيد في القلوب.. كل القلوب.. صروحاً للمحبة والوفاء والعطاء. وداعاً يا خير رجال الإمارات.. وداعاً يا من افتديتمونا بالروح والدم.. وداعاً يا من أوقدتم فينا جذوة الكفاح والنضال في زمن ظنناه خالياً من تلك المعاني.. وداعاً يا من علمتمونا أن في الموت حياة. كلمة أخيرة كلنا فداك يا وطن.. يا من وهبتنا العز نفتديك في المحن