لعله من نكد الدنيا أن تبتلى بالتسوق مع النساء أو تجبرك الظروف على إتيان مثل هذا العمل الذي يعد نوعاً من التعذيب البطيء، فكل الدراسات تشير إلى أن النساء هن القوة الشرائية الضاربة، وأن كل الإعلانات التجارية موجهة لهن، لأنهن صاحبات القرار في الشراء للمنزل وللأولاد والأزواج، وللفشخرة والمظهر الاجتماعي، لكن المرأة هي أسوأ المشترين على الإطلاق، فهي تعذب الزوج بسحبه ورائها أو حمل أثقالها ودفع مشترياتها، وهي تتعب البائعين وتجعلهم يلعنون احتراف هذه المهنة، من كثرة تقليبها في البضائع والسؤال عن كل كبيرة وصغيرة، وفي الآخر لا تشتري إلا من جاره الذي كان يكتفي بالتفرج من باب دكانه، وتتعب السائق في التوقف عند كل دكان، والانتظار بالساعات لأنها تفتش عن فصوص كريستال بلون الفستق الحلبي أول موسمه، وتهلك الشغالة من فك المشتريات وإعادة ترتيبها، والسؤال عنها باستمرار أين وضعتها. والشراء في البلاد أوفر وأستر، لكنها لا تحب أن تسمع، وإن سمعت يمكن أن تهدّ وتزعل، فغايتها من الرحلات التبضع، لأن لا معنى للسياحة لبلدان زارتها أكثر من شعر رأسها «أبو اكستنشن»، والمصيبة إن شرطت وتشرطت أن ترافقها في أسواق أوروبا، حيث يصاب المرء مباشرة بانقباضات معوية لا يدرك سببها، ويشعر بحرقة في المري نتيجة ارتجاع حمض المعدة، لأن اليورو يجعل من عملتك المحلية مثل التومان الإيراني، وهي ولا تبالي ولا تعاني، ولا تعرف من المعادلات الحسابية إلا الناقص من الأشياء التي تحب أن تملكها، والضرب أضعاف الأشياء مما عند جارتها وصديقاتها، والزائد من مداخيلك التي تريد أن تعرف كم هو بالضبط لتلقي بعصاها، ويستقر بها النوى، كما قر عينا بالإياب المسافر، ومن القسمة تلك الأشياء التي لا تتمناها أن تنقسم على اثنين، إلا مع نفسها أو بناتها! يظل وجه الزوج يتلون في المحلات، ويضيء ويبرق في محلات الماركات، ويحاول أن يعتذر بأثر رجعي نتيجة تقليب الزوجة، وتناول بضاعة التاجر بطرف أصابعها مع امتعاض واضح، وعدم رضا عليها، ومرات تقيس فستاناً فيعجبها، لكنها تجرب أربعة غيره لتتعب البائع، ومرات تجرب أثواباً، وحين تقتنع بواحد، تطلب من البائع أن يأتيها بواحد مثله جديد بقراطيسه، ولا تأخذ الذي قاسته، مرات تشتري بمبالغ مبالغ فيها ولا تساوم البائع، ومرات تقف عند بائع ضعيف البنية، وجهه يوحي بالكساد والإفلاس المبكر، وتظل تلعب بروحه التي لا تحب الخسارة، فتبخس بضاعته وتذم فيها، وأنها وجدت أحسن منها وأرخص عند تاجر آخر حتى يقتنع ويبيعها المسكين بخسارة قليلة، وتخرج أنت الزوج وعيناك لا تقدر أن ترفعهما، وبودك الاعتذار الدائم له، حتى تتمنى في نفسك أن لا تلتقي به مرة أخرى، ولو في المسجد! amood8@yahoo.com