في النار ينصهر المعدن ويقوى، وبالنار يتشكل، يصير قوساً وسكيناً وخنجراً، ويصير رصاصاً وجسر عبور للمستقبل، وبالنار يصير الزجاج قناديل للضوء وزجاجات عطر، ويصير الذهب خواتم لمواسم الحب والفرح، النار الحارقة اللاهبة هي نفسها من يدمر ويخرق، وهي من يخرج من قلب الحديد قصصاً للحب تأتلق، حكايات للمنفعة ولخير الإنسان وعزه وكرامته. إن النار التي اختبرت صبر النبي إبراهيم عليه السلام، هي نفسها النار التي تختبر صلابة الحديد، وهي النار التي انفجرت بالأمس في اليمن في وجوه جنودنا الشهداء الميامين، فكانت الضربة الأقسى التي آلمتنا جميعاً، لكنها حتماً لن تكسرنا على الرغم من فداحتها، بقدر ما ستقوينا وتزيدنا إصراراً على مواصلة الهدف حتى تحقيقه.. لقد كانت المصيبة عظيمة بفقد هذا العدد من جنودنا الشجعان في ساحات القتال على أرض اليمن، عزاء الوطن وعزاء عائلاتهم وعزاؤنا أن يتقبلهم الله شهداء، ويتغمدهم بواسع رحمته، ويجعل كل قطرة دم سالت من دمائهم نوراً ومغفرة ورحمة وصبراً، وسطور فخر في تاريخهم وتاريخ عائلاتهم، وسجل الإمارات وقواتنا المسلحة. يا شهيداً رفع الله به جبهة الحق على طول المدى سوف تبقى في الحنايا عَلماً هادياً للركب رمزاً للفدا ما نسينا أنتَ قد علّمتنا بسمة المؤمن في وجه الرَّدى في هذه المحنة، ندعو الله أن يربط على قلوب الأمهات ويصبرهن، فعند الابتلاء لا يجوز إلا الصبر ولا يجوز إلا الاحتساب والتوكل على الله، نحسب كل أبطالنا الذين زفتهم ساحات القتال إلى جنات الخلد شهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ليسوا قتلى وليسوا ضحايا، إنهم شهداء ذهبوا ملبين نداء الواجب وعلى الله أجرهم، وهو نعم المولى ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا به. في عليائهم، حيث أرواحهم قناديل من نور معلقة في جنان الخلد ينظرون إلينا، فخورين بما آتاهم ربهم من نعمة وفضل، فلا تبك يا أم الشهيد.. لقد قدمت للوطن أعظم ما يمكن أن يقدم، فحق لك أن تتباهي على نساء الأرض، لا تبك يا ابنة الشهيد ويا ابنه ويا زوجته ويا أخته، لا تبكوا عليه فما رحل الشهيد وما مات وما قتل، إنه حي عند ربه، مكلل بالغار وبالمجد، ومضمخ بالضياء وبالمسك، وهو باسم الوجه سيبقى في أبديته الخالدة كما ودعكم عندما لبى النداء، ميمماً شطر ساحات القتال، نحن ما نسينا يا شهيد، أنت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الموت.. فلا نامت أعين الجبناء. لأرواح الشهداء الرحمة، ولأمهاتهم وعائلاتهم صادق العزاء وأوسمة المجد، وللوطن كل الأرواح فدى.