هناك نادٍ في باريس مخصص للضجرين والمتعبين والمثقلين بهموم الحياة التي لا تنتهي، دلفت عتبة النادي برجلي اليمين، وكانت صدفة بحتة، غير متعمد، بادرتني امرأة فرنسية عند الباب، كانت صيفية رغم الريح الخريفية في الخارج، وهذا يفرحني كثيراً، فأشد ما أكره ملابس الشتاء الجلدية والصوفية ذات الألوان القاتمة، أدخلتني بخجلها وترحابها ونسمتها الندية، وذلك العطر الذي يسحبك من أنفك عنوة، ضحكت لأنني تخيلت مدراء الأندية الأوليّة: الذي أقرع والذي بلباس «سفاري بيج» أملح، والذي قصير يركض وراء مدارس الأولاد ينتقي النابغين والمبرزين ليضمهم للنادي قبل غيره، والذي جاء من أندية كان يقول عنها عريقة، وظلت تخسر الدوري والكأس طيلة سنوات ليست بقليلة، لاحظت بسمتي وفرحي الذي يكاد يقفز من تجاويف صدري، ابتسمت وأدخلتني بعد أن وضعت يدها خلف ظهري دافعة تلك الجثة قليلاً إلى الأمام، رغم أنني لست بحاجة إلى الدفع، فقط تمنيت لو أن تلك اليد البيضاء الخفيفة تستطيع عد خرز ظهري، فقط للمداعبة أو لمزيد من الاطمئنان، لكنها لم تخيب ظني، فقد رسمت دائرة بقدر ما تسمح بها يدها البيضاء الخفيفة على ظهري، ساعتها أيقنت أنني سأنضم إلى ناديها لا محالة. قضيت ساعة تقريباً من الضحك والابتسام، وأحياناً أصل إلى درجة القهقهة، أو كما يقول العرب في جاهليتهم: ضحك حتى استلقى على ظهره أو على قفاه، أو ضحك حتى بانت نواجذه، أو ضحك حتى تعبت خواصره، بعد تلك الساعة، وتلك الجولة من الضحك، خرجت بأصدقاء عابرين وبحوارات كانت مسلية ومفرحة ومضحكة حتى لو كانت على النفس، المهم أنها أخرجت سموم الجسد وتعب الأيام وضجر الأشياء، وخرجت وأنا لا أود الخروج، ولكنني هذه المرة متشاف متعاف، على الأقل قمت بطرد هواجس النفس، ومنعت العدوانية أن تتسلل إليها، ووجهت الشرور التي فيها إلى حقول خضراء تتسابق مع الطير. شعار نادي الضحك الثلاثي أن تظهر على العضو علامات حياته الضجرة ليتم قبول عضويته، وبعدها يقوم النادي بمساعدته على التخلص منها، من خلال جلسات الضحك، وبرامج الترفيه، واللقاء مع أشخاص مثله من مختلف الطبقات والأجناس والثقافات يقصون عليه معاناتهم، ويشاركهم مشاكلهم، هذا النادي مجتمع معزول، كل شخص يحضر إليه أمامه أمران: إما أن يترك مشكلاته عند الباب أو يتناولها بقالب مضحك وهزلي من أجل الشفاء منها، ليقول بعد مدة قصيرة من العضوية فيه: أقبلت الحياة الملونة!