حين تتفتق ذاكرة الشاعر تصعد إلى الأشياء الجميلة، ترتب أوراق الشعر، تستحضر جمالية الشعراء، تتندى بروح المفردة الشعرية المتقابلة مع الرحيل، المتعانقة مع الحضور، كأن تلامس الصورة والمعنى، فالرحيل وجوه جميلة، فليس وجه النسيان الذي ينتصر دائماً، فلابد للشعر أن يمحو الغربة، وأن يسقط الغياب، ليبقى في لذة الزمن، رائحة الإبداع تستدعي الذاكرة. لم يكتف الشاعر عبدالله السبب أن يفتتح صلاة مجموعته الشعرية بأسماء شعراء كانوا إلى وقت قريب بيننا نخاطبهم ويخاطبوننا.. لم يكتف أن يسرد أشعارهم بل عاد ليرسم صورهم الشعرية كأن يؤجل الغياب حين يستظل الشاعر تحت احتشاد الشعر، وتذهب المؤسسات تحت أخفقاها، تبتهج في محافل دولية ومحلية، فلا تنتهج صورة الشاعر، فالشعراء والأدباء هم لغة أي محفل ثقافي فلِمَ تغيب كل هذه الأسماء الحاضرة والراحلة؟ بمنظومة جديدة أراد الشاعر عبد الله السبب أن يضع شعراء رحلوا على ناصية الذكرى.. يسترسل من خلال عربة الورد الملونة ليضع اكليلاً من الشعر على قلوبهم النابضة.. يستخرج أصواتهم من التوابيت القديمة، يكحل بها أعين الملأ، ليقول الشاعر السبب بأن الشعر لا ينكمش، ووجود هؤلاء الشعراء لا يتوارى تحت ثرى الأيام؛ فارتحال الشاعر يبقى في خيال شعره، لينبت الشعر من تراب الروح، وليمتشق كيانات الحياة، وليرتسم في مكونه. ففي صلاة الحضور وليس الغياب، يحضر الشاعر خليفة محمد وتتجلى لغة شعرية؛ فهنا الشاعر السبب يمضي في خيال الشاعر ولا يرثي الشعر فيه قائلاً: أيها الأنت يا قبلة الشعر يا قبلة المطر، إنها مفردة شعرية راقية وجميلة. ويقول: لا تغادر دمي سريعاً أيها المغدور في دمه، ولا تتجزأ الفكرة بعيداً في بوابة جمعة الفيروز الشعرية. يقول عبدالله السبب: هكذا دونما دراية، دونما إشارة، دونما حفل إلى أن يقول: ذكرناه كما لم نذكر أحداً من قبل نسيناه كم لم ننس أحداً من قبل. يا له من استرسال شعري فطن ليس بخبايا الشعر وحسب وإنما في لغة الشعر، وفي هذه الدراية يذهب حيث يذهب علي العندل إلى حتفه قائلاً فيه: على رسلك سقراط الجرار قاحلة، والينابيع ضامرة، وأشجار تتآكل في الهجير؛ ويختم صلاة والطواف حول الذاكرة أو في سياق النسق الجميل بمكونات شعرية ختم بها الراحل في مسامات الذاكرة الأدبية، فمن المتوقع أن تختم المجموعة بالشاعر أحمد راشد ثاني فلا أفق آخر بعد سماء الشعر.