عندما أعيد قراءة نص الوثيقة التي أعدها المثقفون وناشدوا الأزهر إعلانها لتمكين المرأة، أدرك الآن أنها كانت ضد التيار الصاعد للجماعات الدينية التي تستعبد المرأة قبل الرجل وترى في استمرار تهميشها رمزاً لغلبتها على المجتمع، بحيث يلعب الجلباب والنقاب أدواراً رمزية لتصورهم المتدني لما يظنون أنه «الصحوة الدينية»، حيث تناقش الوثيقة مزاعمهم وتدحضها بالمنطق والحجة العقلية والتاريخية والدينية، فتمضي الوثيقة لتنص على: رابعاً: لا مجال للتعلل في تبرير أوضاع المرأة السيئة بالعادات والتقاليد، فهي آخذة في التغير، إذ أصبحت نهضة الشعوب تقاس بارتفاع مستويات التعليم لشبابها من الذكور والإناث، وانخفاض مستويات البطالة في الجنسين، واكتمال الرعاية الصحية والرخاء المجتمعي للجميع، أما التقاليد الإسلامية الصحيحة فهي التي أنصفت المرأة من عسف المجتمع القديم، وأسست لإرادتها الحرة وشخصيتها المستقلة، واشترطت العدل في معاملتها والإحسان في الاختلاف معها. خامساً: من أبرز ما تميزت به تعاليم الإسلام في عصور اضطهاد المرأة هو التأكيد على حقوقها الاقتصادية، بمنحها الشخصية الاعتبارية المستقلة عن الرجل في ذمتها المالية الخاصة، ويتعين عليه أن يتحمل وحده جميع نفقاتها سواء كانت أماً أو أختاً أو زوجة أو بنتاً، وأكد الإسلام الجانب الإيجابي للتقاليد العربية، حيث كانت المرأة تمارس التجارة والأعمال العامة وتحتفظ بكامل حقوقها في الملكية وأهليتها في التصرف بعد الزواج، وما قد يتراءى للبعض من تمييز للرجل على المرأة في أنصبة المواريث حيث يصبح للذكر مثل حظ الأنثيين، إنما هو ناتج عن قصور في الفهم، لأن النص يختص بالأولاد دون غيرهم في أربعة أحوال، وهناك ثلاثون حالة أخرى في المواريث يتساوى فيها نصيب المرأة مع الرجل أو يزيد عليه، أما الحالات الأربع فسببها هو زيادة عبء الرجل الاقتصادي عن المرأة، حيث يتكفل بنفقتها الزوجية وتظل ثروتها خالصة لها دون أية أعباء، وإذا كانت طرائق الإنتاج الاقتصادي وسبل توزيع عائداتها في العصور الحديثة قد تباعدت تدريجياً عن الأوضاع القديمة فإن الإسلام يدعو دوماً للعدل والإنصاف، ويرفض تماماً حرمان المرأة من الميراث أو بخسها الأجر في العمل أو غير ذلك من مظاهر التفرقة الظالمة. سادساً: منظومة الحقوق المدنية والشخصية التي يكفلها الإسلام للمرأة كل متكامل، ترتكز على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وفهم فكرة القوامة باعتبارها متعلقة بمسؤولية الرجل الاقتصادية تجاه المرأة والأسرة، الأمر الذي يحقق القيادة المشتركة بين الرجل والمرأة دون هيمنة لأحدهما على الآخر، كما تتعلق الحقوق الشخصية برفض العنف ضد المرأة واحترام كرامتها وتجريم التحرش بها، فضلاً عن إتاحة الفرصة للرجل والمرأة معاً لتنمية ملكاتهما الإبداعية في العلوم والفنون والآداب، ورفض اختزال المرأة خاصة في مجرد «جسد» للمتعة والإنجاب، والكف عن اعتبارها «فتنة» يجب تحجبها أو حبسها، والاعتراف بكامل حقوقها الشخصية، الأمر الذي يتطلب النص على تساويها التام مع الرجل في جميع الحقوق والواجبات في الدساتير العربية، وإقرار استراتيجية عامة تلتزم بتأكيد احترام المواثيق والاتفاقات الدولية الخاصة بالمرأة والطفل واتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمرأة بما يتفق مع صحيح الشريعة والقيم العليا للمجتمع».