انتهى الشتاء الذي مرّ سريعاً، وربما آخر مظاهره قد رحلت مع آخر زخات المطر التي هطلت قبل أيام. والحمد لله أن شتاء الإمارات دائماً ما يكون جميلاً ورائعاً، لا عواصف أو حالات جويّة غير عادية، وكأنّ الإمارات منحوتة بالهدوء والجمال والسكينة دائماً، حتى في الزمن الماضي الذي كانت تأتي فيه رياح الشمال عاصفة ومدمرة للزوارق والمساكن السعفية قد ذهبت.. حتى (الأحيمر) الذي كان يأتي كل عدة سنوات أي كل عشر سنوات أو أكثر، الآن قد يأتي هنا أو هناك ولكن العمل الإنشائي والبناء صار أقوى وأمتن من أزمنة الخيام والعريش القديمة. الرياح في الإمارات لها أهمية كبيرة في رسم حياة الناس قديماً، ولها حسبة دقيقة فبالإضافة إلى المسميات الأخرى للرياح، حيث إن رياح الكوس مثلاً تكون مهمة لتغير طقس البيئة وإرسال الهواء البارد، بالإضافة إلى القوّة المهمة لدفع السفن وإبحارها، قد تكون مهددة لعملية الصيد إذا كانت قويّة، وهي تختلف في أهميتها من مكان إلى آخر، حيث إنها مهمة للسواحل، وقد تكون مؤثرة ومتعبة لأهلنا في الساحل الشرقي والقريب من بحر العرب والمحيط، ولكنها في المنطقة الغربية والوسطى رائعة النسمة ومغيرة للحرارة، ورياح الغربي معاكسة لريح الكوس وعادة ما تكون باردة، خاصة في المناطق الغربية والوسطى بينما قد تكون لها تأثير على حياة الصيد البحري في المناطق الشرقية. ثم يأتي ريح الشرقي أو المطلعي، وتأتي هذه التسمية لهبوبه من ناحية مطلع الشمس، وهي من الرياح الهادئة الجميلة والباردة، خاصة في المساء، وكانت هذه الرياح ذات أهمية كبيرة عندما لم يكن للكهرباء مكان، فهي النسمة الرائعة والباردة التي تطفئ لهيب الصحراء، وبعد أن تنتهي فترة رياح الكوس والغربي التي قد تمتد في بعض السنوات أو الأوقات مدة طويلة، تأخذ بالتوقف ليبدأ ريح النسمات البحرية التي تأتي من جهة البحر خفيفاً ومداور بين الهدوء التام والتوقف، خاصة في فترات الصباح وحتى يأتي المساء ليبدأ بالاندفاع بصورة خفيفة وناعمة، ولا يستطيع أن يحد من حرارة الأرض ولهيب الصحراء أو الجبل، وكثيراً ما تشاركه رياح صحراوية حارة وحارقة، خاصة كلما قربت فترة القيظ، حيث تأتي رياح السهيلي ذات النسمة الحارة والحارقة، وقد نعته أهلنا بالسهيلي لهبوبه من حيث يطلع نجم سهيل. وفي الأزمنة القديمة يكون لهذا الريح تأثير سلبي، خاصة إن جاء في رمضان. أما الآن فإن الحياة مختلفة ولم تعد لرياح السهيلي أي تأثير على الحياة والناس. أما رياح العقربي والتي تأتي من الغرب فهي شبيهة برياح الغربي أو الغريبي، وهي تأتي قبل بداية الصيف ولها أهمية كبيرة عند الصيادين وأهل البحر، ثم يأتي ريح (النعشي) الذي ينعش الناس بجمال رياحه عندما تكون هادئة ومنسابة ، وتهب هذه الرياح من الجهة الشرقية للإمارات. والرياح دائماً ما تستدير أو تداور كما يقول أهلنا البحارة، فقد تتحوَّل الريح مثلاً من النعشي أو الغربي أو أي ريح أخرى إلى مسار آخر، وتأخذ اسماً جديداً. كما تأتي رياح السرايات والنعايات وقد تؤثر هذه الرياح إن اشتدت في البحر وربما تحوله في ظرف ساعة أو أقل إلى حالة جديدة ومغايرة. أيضاً في فترة القيظ والحرارة الشديدة تهب على الإمارات رياح الروايح، وعادة ما تأتي من جبال عُمان وظفار وسريعاً تتغيَّر البيئة، وقد تسقط الأمطار بغزارة مما يسجل مفارقة عجيبة بين الحرارة الشديدة والقيظ والمطر، وتتعرَّض لهذه الحالة منطقة العين وبعض المناطق الشرقية بصفة مستمرة في موسم القيظ. الإمارات دائماً في تنوع وجميلة حتى في الرياح. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com